منتدى ابناء الصليحاب



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى ابناء الصليحاب

منتدى ابناء الصليحاب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التعـــــــــــــــــــــــــــــــريف بتــــــــــــــــــــــــراث الصليحـــــــــــــــــــــــــــــــاب وافكارهم

سحابة الكلمات الدلالية

المواضيع الأخيرة

» وصفات للعلاج بالتمر
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:42 pm من طرف أم عزة

» احلى ابتسامه
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:36 pm من طرف أم عزة

» احلى ابتسامه
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:33 pm من طرف أم عزة

» مازلت اصمت
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:26 pm من طرف أم عزة

» هدية الصباح
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:20 pm من طرف أم عزة

» السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:01 pm من طرف أم عزة

» تحدث باللغه الانجليزيه بسهوله...
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالإثنين نوفمبر 09, 2015 4:53 pm من طرف Abdurahimborgo

» إساءه في حق رابطة طلاب الصليحاب بجامعة النيلين من قبل الاتحاد
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالثلاثاء يوليو 14, 2015 4:03 pm من طرف Abdurahimborgo

» المحافظه على تراث الصليحاب من الضياع
إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Emptyالأربعاء فبراير 25, 2015 11:27 pm من طرف الصادق مجمود

نوفمبر 2024

الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني


انشاء منتدى مجاني




4 مشترك

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الجمعة يناير 21, 2011 10:44 pm


    بحث
    الدكتور / يوسف حامد العالم
    رحمه الله
    بحث في إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر
    والمسائل المترتبة على ذلك
    تمهيد :
    يشتمل التمهيد على تعريف الزكاة لغة واصطلاحا ،وأدلة وجوبها ،وحكمة مشروعيتها :
    1- الزكاة في اللغة النماء يقال زكاة الزرع إذا نما وترد أيضا بمعنى التطهير ،وترد شعرا بالاعتبارين معا ،أما الأول فلأن إخراجها لسبب النماء في المال ،أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة والمواشي ،ودليل الأول قوله صلى الله عليه وسلم " ما نقص مال من صدقة " لأنها يضاعف ثوابها كما جاء " إن الله تعالى يربي الصدقة " وأما دليل الثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وطهرة من الذنوب (1) . وعرفها صاحب العزية من علماء المالكية : بأنها مال مخصوص يؤخذ من مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا بشروط يصرف في جهات مخصوصة .
    يصرف في جهات مخصوصة .
    ومما تقدم نعلم أن الزكاة حق مالي أوجبه الله عز وجل في مال الأغنياء لسد حاجات المحتاجين من الفقراء والمساكين دعما لبناء المجتمع وحمياته الدين .
    2- أدلة وجوب الزكاة :
    الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة والواجب هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه . أجمع علماء الإسلام على أن الزكاة تجب على المسلم البالغ الحر المالك للنصاب بالشروط المعروفة والمقررة في كتب الفقه ،ووجوب الزكاة معلوم من الدين بالضرورة لأنها ركن من أركان الإسلام وتناقلته الأجيال جيب بعد جيل إلى يومنا هذا ،ودل على وجنوبها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول .
    أما الكتاب فقد تكررت فيه الآيات الآمرة بالفعل والآيات الزاجر عن ترك الفعل ،وجاءت مقرونة بالصلاة في نحو اثنين وثمانين آية ما يدل على عناية القرآن بهذه الفريضة ،كما تكررت في القرآن الكريم الآيات المرغبة في الفعل .
    الآيات الآمرة بالفعل منها : قوله تعالى : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله بما تعملون بصير " ( البقرة آية 110 ) .
    الآيات الزاجرة منها قوله تعالى : " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوفون ما بخلوا به يوم القيامة " ( آل عمران آية : 18 ) .
    ومنها قوله تعالى : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " ( التوبة آية 35 ) .
    ففي هذه الآيات وعيد لا مثيل له ف آية الربا . وبهذا الأسلوب القرآني الآمر والزاجر تقرر وجوب الزكاة .
    أما السنة فجاءت فليها أحاديث كثيرة آمرة بفعل الزكاة وزاجرة عن تركه منها قول صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا له إلا الله وأن محمدا رسول الله ،وأقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا " رواه مسلم والبخاري .
    ومنها ما رواه الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال " إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله فغن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " .
    ومنها ما رواه الطبراني في الأوسط والصغير عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عسروا إلا بما يصنع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما " .
    أما الأحاديث الزاجرة عن ترك الزكاة :
    منها ،ما روي عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ،ما من صاحب ابل لا يؤدي زكاتها غلا بطح لها بقاع قرر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مضى عليه آخرها ردت عليه أولادها حتى يحم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ،وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليست فيها عقصاء ولا جلجاء ،كلما مضى عليه آخرها ردت عليه أولادها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقدار خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " .
    ومنها ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزميته - يعني شدقيه - ثم يقول له أنا مالك أنا كنزك ثم تلي النبي صلى الله عليه وسلم الآية " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله " الخ " .
    وهذه الأحاديث النبوية جاءت مقررة ومؤكدة لما جاء في القرآن الكريم وهي كافية في زجر من كان في قلب إيمان يذكره حساب الآخرة والعذاب المنتظر لمانعي الزكاة ،ولا يمنع الزكاة غلا غافل عن المصير المنتظر .
    أما الإجماع : فقد أجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على وجوب الزكاة ولم يقع خلاف في وجوبها في عصور الإسلام المتعاقبة وبذلك صارت من المعلوم من الدين بالضرورة يعتقد ذلك الوجوب العامة والخاصة من أمة الإسلام ومن جحد وجوبها فهو كافر مرتد ومن أقر بوجوبها وأمتنع عن أدائها تؤخذ منه قهرا ويقاتل عليها فإن قتل صار دمه هدرا وإن قتل يقتص منه .
    أما المعقول : فإن الزكاة فيها وقاية لصاحب المال من الهلاك والدمار لأن حرمان المحتاجين لضروريات الحياة قد يدفعهم إلى الانقضاض على صاحب المال فيقتلونه ويأخذون ماله وحماية النفس والمحافظة عليها مقدم عقلا على حماية المال والمحافظة علي ،وإخراج القدر الواقي من الهلاك تدعو إليه العقول السليمة ،ولا تتم المحافظة إلا بإخراج ذلك القدر فاخراجه واجب عقلا وطبقا.
    3- حكمة مشروعية الزكاة :
    اعتمدت في بيان هذه الحكمة على ما جاء في القرآن من آيات تدل أو تشير غليها بقول الله تعالى " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ،الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ،وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " ( الحج آية 41).
    هذه الآيات نزلت بعد الهجرة وتدل على أن الإيمان والصلاة والزكاة والأمر بالمعروف النهي عن المنكر هي مقومات أساسية للدولة المسلمة والمجتمع المسلم وهي أساس التمكين لدين الله في الأرض ،والتمكين لدين الله في الأرض تم بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ،لأن أركان قيام الدولة اكتملت بوجود الشعب المسلم وحرية الإرادة في تصريف شئون الحياة وتنزيل المعادن والأحكام العملية في حياة الجماعة وبناء المجتمع وهذه الأركان لم تتوفر للمسلمين بمكة .
    1- الإيمان : وهو القاعدة وهو الأساس الذي يقوم عليها البناء لأنه الاعتراف الجازم المطبق للواقع بأن لا إله موجود ومعبود بحق في الوجود إلا الله وحده لا شريك له ،وبهذا الاعتراف يكون الإنسان قد خرج من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وهذا يقتضي الالتزام بمدلول الاعتراف والخضوع والطاعة التامة لمن اعترف به ،وبهذا الإيمان تنشأ العلاقة بين العبد وربه علاقة العبودية والربوبية وهذه لابد من رعايتها والمحافظة عليها حتى لا يضل العبد مرة ثانية ضلالا بعيدا .
    2- الصلاة : من أهم وظائف الصلاة هي المحافظة على الصلة بين العبد وربه وهي تحفظ نور إيمان في قلب المؤمن وتحول بينه وبين المعاصي التي تعتم النور أو تذهب به ، لأن العبد المحافظ على الصلاة يقف خمس مرات في اليوم والليلة أمام خالقه ليجدد الاعتراف بأنه لازال على عهد الاعتراف وأنه لم يعترف بكبير غير الله لم يخضع لسواه لأن الله أكبر عنده من كل كبير ،وبذلك يفتتح صلاته الله أكبر ،فإذا كان صادقا في صلاته بحقها وحقيقتها فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ،لأنه عندما يخرج من صلاة وتقابله الخواطر الشريرة والأهواء الخطيرة يتذكر أنه بعد قليل أو بعد حين سيقف أمام خالقه ،فيكف عن متابعة الخواطر والأهواء التي تدعوه إلى معصية الخالق لأنه يريد أن يكون صادقا عندما يقول الله أكبر ،وبذلك يصير هذا العبد لبنة صالحة في بناء المجتمع الصالح .والإنسان الذي يريد أن يفكر في البناء لابد له من العناية باللبنات قبل عنايته بالملاط الذي يربط به اللبنات ،وهذا هو السر في أن الصلاة والزكاة ذكرتا كثيرا في القرآن مقرونتين ولكن دائما نجد الصلاة تقوم على الزكاة .لأن الصلاة تعطي اللبنة الصالحة والزكاة هي الملاط الذي يربط اللبنات حتى تصير كالجسد الواحد ،والملاط هو ما يعرف " بالمونة التي تعمل من الرمل والأسمنت لتربط بها اللبنات ليكون البناء قويا متينا أو أي رباط يربط به بين اللبنات حتى تكتمل حقيقة البناء " .
    3- الزكاة هي المقوم الذي يربط المجتمع ويشد بعضه إلى بعض ،قبل شرح هذا الموضوع يجدر بنا أن نقرر أن هناك قواعد إيمانية لابد من الإشارة إليها .
    أ - أن الله هو الرزاق يبسط الرزق لمن يشاء ويقبضه عمن يشاء ولا دخل للإنسان إلا بفعل الأسباب التي أمر بها لتحصيل الرزق ولا نستطيع أن نفرق الرزق بقوت البدنية ولا بقوته العقلية ولا بميزات الحسب والنسب وإنما الرزق بيد الله وحده قال الله تعالى : " إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أنه كان بعباده خبيرا بصيرا " ،( الإسراء : آية 30 ) .
    وقال : " أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " ( الروم : آية 33 ) .
    ب - إن بسط الله الرزق لعبده أو لعباده لا يدل على محبته إياه أو إياهم وإن قبضة الرزق عن عبده أو عباده لا يدل على بغضه إياه أو إياهم ،وإنما في كلا الحالتين يعتبر ابتلاء وامتحانا منه لعباده في حالة الغنى وحالة الفقرة كما قال الله تعالى " " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " فمن بسط له الرزق وشكر فقد فاز ومن كفر النعمة فقد خسر الدنيا والآخرة، ومن قبض عنه الرزق صبر فقد فاز ،ومن كفر وتفجر فقد باء بالخسران المبين.
    ت - إن رعاية حقوق المساكين من أهم حقوقات هذا الدين ،والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من عنصرين أساسيين أحدهما مادي والثاني معنوي ،والعنصر المادي له مطالب مادية ملحة ضرورية وحاجية وكمالية ،وتلبية هذه المطالب تتطلب من الإنسان السعي لإشباع هذه المطالب ،وبذلك أمره بالسعي للحصول على الرزق ولكن هذا السعي ما هو إلا سبب ظاهري قد يترتب عليه السبب بقدرة الله وقد لا يترتب عليه .
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty تتمة

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الجمعة يناير 21, 2011 10:55 pm

    بعد هذه المقدمة .
    نقول إن الزكاة دواء للوقاية وللعلاج تقي المجتمع وتعالجه من ستة أمراض خبيثة ثلاثة منها تصيب الأغنياء وثلاثة تصيب الفقراء وهي أمراض مدمرة لبناء المجتمع إذا وجدت ف كل مكان وزمان .
    أمراض الأغنياء هي الشح والجشع والبخل ألفاظ تدل على معنى واحد وهو الحرص على عدم أداء حقوق المال ،وإن كانت الألفاظ بها معاني فرعية دقيقة يختلف فيها لفظ عن لفظ .
    وإذا مرض الأغنياء في المجتمع في أي زمان أو مكان بهذه الأمراض فتكون النتيجة اللازمة أن فقراء ذلك المجتمع سيصابون بأمراض مقابلة وهي الحقد والحسد والغل .وكلما زاد مرض الأغنياء زاد مرض الفقراء وبالتالي سيكون هذا المجتمع على أبوب التصدع والتفكك ثم الدمار كما يقرر القرآن الكريم ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى : " وإنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة " فالإنفاق هنا هو وقاية لصاحب المال من الهلاك ، ومنها قوله تعالى " وكأين من قرية أهلكناها نوهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد " فهذه الآية تدل على أن سبب هلاك القرية هو الظلم ،وتشير إلى أن سبب الظلم هو البئر المعطلة والقصر المشيد ،لأن البئر هي كل الماء والماء يعتبر من أهم ضروريات الحياة ،والقصر المشيد يدل على الترف وعدم المبالاة بحقوق المساكين الذين وصلوا إلى درجة فقدان ضروريات الحياة حتى الماء ،وأهلكت القرية ،ولم تعلم كيفية الهلاك ولكنه قد يكن بأعاصير من السماء أو ببراكين من الأرض أو بصدام بين المحرومين المظلومين وبين المترفين الظالمين ،كما جاء ذلك في قوله تعالى : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون " ( الأنعام آية : 65 ) .
    ومنها قول تعالى : " هأنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمكنهم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ( سورة محمد : 38 ) ومن كثرة تكرار القرآن الكريم لذم البخل والبخلاء وكذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم صار العامة يقولون : البخيل عدو الله وعدو الرسول ويقولون أيضا : البخيل عدو نفسه لأنه من شدة حرصه قد يوقع الهلاك بنفسه من حيث لا يشعر.
    مما تقدم نعلم أن الله سبحانه وتعلى فرض الزكاة لحماية المجتمع من عوامل التصدع والتفكك والدمار ،ولوقايته من الأمراض الخبيثة ،ولتطهير الأغنياء من داء الشح الجشع والبخل ، وتطهير قلوب الفقراء من داء الحقد والغل والحسد ،ولتزكية المال وتنميته بالبركة ،ولربط قلوب المسلمين أغنياء وفقراء بالمحبة والمودة والرحمة والإخاء حتى يصير المجتمع كالجسد الواحد ،ولذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فهي تطهر الأغنياء قبل الفقراء فالغني يطهر نفسه بالإعطاء ويطهر قلب أخيه الفقير بالعطاء .
    ولو نظرنا إلى الواقع التاريخي للأنظمة الاقتصادية القائمة لوجدنا أن النظام الرأسمالي في نشأته لازمته الأمراض الاجتماعية الخبيثة وهي البخل والشح والجشع وعدم المبالاة بحقوق الضعفاء والفقراء والأجراء وهذا الحرمان ترك آثارا سيئة في الوضع الاجتماعي لهؤلاء المحرومين .
    وجاءت الفكرة الشيوعية كوليد شرعي لمساوئ النظام الرأسمالي واعتمدت على استثمار الأحقاد التي ترسبت في قلوب الفقراء والأجراء بسبب الحرمان لتجعل من هذه الأحقاد بركانا يتفجر على الأغنياء ويقضي عليهم لتقيم نظاما على أنقاض النظام الرأسمالي الذي يقوم على نظام الملكية الفردية والنظام الجديد يحرم الإنسان من حق التملك واعتقد الإنسان برفع الظلم عنه . هذا تفكير بشري منحط ومتخلف ،لأنه اعتقد إن مجرد وجود الملكية في يد الفرد هي السبب في هذا الفساد الاجتماعي والظلم الواقع على الفقراء والأجراء ،ولم يعقل أن الملكية ما هي إلا إدارة في يد الإنسان قد تكون وسيلة للشر وقد تكون وسيلة للخير ،والإسلام عندما جاء إلى البشرية وجد نفس الصورة وجد أغنياء بخلاء مرابين يأكلون الربا أضعافا مضاعفة ووجد فقراء محرومين يدفنون أبناءهم أحياء من إملاق أو خشية الإملاق ،وجد هذه الصورة القاتمة في حياة الإنسان ولكنه لم يسلك طريق تفكير البشري المنحط بالتحريض وإيقاد نار الحقد في قلوب المساكين المحرومين وإنما اعتمد على تغير مفاهيم الناس التي كانوا عليها في الجاهلية وبعد حين صير الأغنياء خدما للفقراء يتسابقون في الكسب لسد حاجات الفقراء كسبا لمرضاة الله وطمعا في ثواب الآخرة ،وطهر النفوس والقلوب من الأحقاد والبخل وربطها برباط المحبة والمودة والرحمة ،ولو نظرنا إلى الأمراض الستة المتقدمة ولو نظرنا في خصائص النظامين المتناقضين الرأسمالي والشيوعي لوجدنا أن النظام الرأسمالي يختص بثلاثة أمراض الشح والجشع والبخل .وأن النظام الشيوعي يختص بثلاثة أمراض أيضا وهي الحقد والغل والحسد، ومدخل الدعوة إلى الشيوعية هو إثارة الأحقاد في نفوس المدعوين من الفقراء والأجراء والعمال والزراع ولو بإثارة مظالم وهمية ،وعند انفعالهم بمشار الظلم يتولى قيادتهم إلى التخريب والتدمير وهذه نتيجة ظاهرة في أساليب الدعاة إلى الشيوعية .
    قد يقول قائل أن نظام لاضمان الاجتماعي في الدول الحديثة يغني عن الزكاة ،هذا الكلام لا يقول به إلا جاهل بحقيقة الإسلام وحقيقة الواقع .
    إذا نظرنا إلى مجتمع كالمجتمع الفرنسي مثلا نجد عنده ضمانات مادية في حياته حتى المولود لا يولد إلا ويقرر له راتب حتى يبلغ والأم المرضعة يقرر لها راتب إذا لم يكن لها زوج والشيخ المتقاعد قد يقرر له راتب الذي لا يعمل يقرر له راتب ،وغير ذلك من الضمانات الاجتماعية في التعليم والعلاج ،هذه الضمانات تراها في رأي العين جيدة وممتازة ،ولكن عندما تنظر إلى المجتمع تجده مجتمع مفكك متقطع الوجدان العواطف الإنسانية والروابط الأخوية والروح الجماعية التي يتمتع بها المجتمع المسلم ،فكل فرد فيهم تحسب أنه يقاوم ظروف الحياة بمفرده وكل بيت منفرد في سروره وفرحته لا جوار ولا حوار ،والسبب في ذلك لأن الضمانات أقيمت على أسس مادية بحتة .بعكس فريضة الزكاة فهي عبادة مالية من الأفراد تعود إلى إخوانهم ويحسون بها الإحسان وهذا التكامل ماديا ومعنويا فيترك أثره في الوجدان والعاطفة الإنسانية وينتج عنه الترابط الأخوي في حياة الجماعة والأفراد .
    خلاصة القول في حكمة مشروعية الزكاة :
    هي أن الزكاة ركن الإسلام ،ومقوم أساسي في بناء المجتمع وهي أخت الصلاة ،فالصلاة تعطينا الفرد الصالح والزكاة تعطينا المجتمع الصالح وهي تطهر النفوس والقلوب من الأمراض الاجتماعية الخبيثة وتقي المجتمع من عوامل التخريب والدمار ،وتربطه برباط المحبة والمدة الصحة والأخاء ،حتى يصير المجتمع كالجسد الواحد .وهي فريضة دائمة لا تسقط بأية حال من الأحوال حتى لو لم يكن هناك فقراء .لأنها شرعت علاجا ووقاية للأغنياء من الأمرض قبل الفقراء ،والتزام المسلمين بأداء الزكاة يحول بينهم وبين الأفكار والمذاهب الهدامة التي تعتمد على الحقد والحسد .
    أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوظيفتهما صيانة البناء الاجتماعي وحمايته من عوامل التصدع سواء كان يترك ما هو واجب ،أو يفعل ما هو منكر ،فالذي يترك الواجب لابد من تنبيهه وإنذاره ثم إيقافه عند حده ،وكذلك الذي يريد أن يفعل المنكر ،فكل ما قويت حاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع كلم سلم البناء من التصدق وكلما ضعفت هذه الحاسة كلما تصدع البناء وقد يصل إلى درجة الانهيار إذا لم يتدارك .
    مسائل البحث
    يشتمل البحث على أربع مسائل رئيسية:
    المسألة الأولى :
    من هو صاحب الحق بالأصالة في جمع الزكاة وصرفها في مصرفها هي هو ولي المر سواء كان عادلا أو جائرا ،وسواء كان المال ظاهرا أو باطنا ،أم أن الحق لصحاب المال يخرج الزكاة ويقوم بتوزيعها ،وإذا كان الحق لولي الأمر فهل له التنازل عنه لأصحاب الأموال في الإخراج والتوزيع ،وكيف نعالج واقعنا المعاصر ،ذلك الواقع الذي لم تكن في الدولة الإسلامية تأخذ بالإسلام كنظام شامل وكامل لتنظيم الحياة مع أن أفراد الأمة تتوجه إلى الإسلام ويعملون على إقامة أركان الإسلام ومنها أداء فريضة الزكاة ،وظهرت جمعيات وهيئات وصناديق خيرية لجمع الزكاة من أصحاب الأموال لتقوم بتوزيعها على مصارفها .
    المسألة الثانية :
    كيف يتم التوفيق بين الضريبة التي تستغني عنها دولة من الدول في الواقع المعاصر وبين فريضة الزكاة التي أوجبها الله فأموال الأغنياء حقا للفقراء .
    المسألة الثالثة :
    هل من الضروري صرف الزكاة في جميع مصارفها الثمانية بحيث يعتمد التوزيع على صنف من الأصناف الثمانية أم أنه يمكن الاقتصار على بعض الأصناف بحسب ومقتضى الأحوال .
    المسألة الرابعة :
    معظم الأقطار الإسلامية يعين فيها مواطنون من غير المسلمين ،كيف نعامل هؤلاء في مقبل فريضة الزكاة على المسلمين هل نفرض عليهم الزكاة أو قدرا من المال يوازي ما يدفعه المسلم زكاة ؟
    المسالة الأولى :
    إن ولاية جمع الزكاة وصرفها في مصارفها حق مقرر بالأصالة لولي الأمر ،الإمام أو غيره، فإذا كان الإمام عادلا والمار ظاهرا فلا خلاف بين السلف والخلف في ولاية هذا الحق بل أجمع على ذلك الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون (3).
    وإذا كان الإمام جائرا أو المال باطنا ولم يطالب الإمام أصحاب الموال بالزكاة فللعلماء في ذلك اختلاف في تأثير ولاية الحق الثابت بالأصالة أو عدم تأثره ،وسوف نناقش هذا الخلاف ونرجح ما نراه راجحا .
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty تتمة

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الجمعة يناير 21, 2011 11:05 pm

    الأدلة :
    استدل القائلون بثبوت الحق لولي الأمر في جمع الزكاة وصرفها على مصارفها بالقرآن الكريم والسنة القولية والعملية وبإجماع الصحابة .
    القرآن الكريم قال الله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فذا أمر من الله وجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكل أمر موجه إلى أمته ما لم يدل دليل على خصوصيته وهنا لم يرد دليل على خصوصيته فيكون عاما يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من يقوم مقامه في تنفيذ شرع الله على عباده وهو ولي الأمر إماما أو غيره .
    واستدلوا أيضا بقوله تعالى : " والعاملين عليها " لأن هؤلاء العاملين يعينهم الإمام ،وأثبتت لهم القرآن حقا مقررا مما يدل على الالتزام بتعيين العاملين كنظام عام للدولة المسلمة لأنهم وسيلة لجمع الزكاة فيكون جمع الزكاة حق مقرر لولي الأمر وكلك صرفها .
    السنة القولية :
    استدلوا بحديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن قال له : " أعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم .واتق دعوة المظلوم فإنه ليست بينها وبين الله حجاب " ،وجه دلالة الحديث أن كلمة تؤخذ وترد لابد من آخذ وراد ،ولا يكون هذا الآخذ إلا ولي الأمر لأن معاذ بعث واليا من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم .
    وقال الشوكاني في نيل الأوطار استدل بهذا الحديث على أن الإمام هو الذي يتولى جمع الزكاة وصرفها إما بنفسها وإما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه كرها (4) .
    السنة العملية :
    واستدلوا بالسنة العملية وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم نصب سعاة لا حصر لهم من الصحابة ،وكذلك الخلفاء الراشدون ساروا على نهجه في تنصيب العاملين في جمع الزكاة فهذا دليل عملي على أن نظام جمع الزكاة وصرفها من نظام الدولة المسلمة ومسئوليتها في إقامة الأركان وتنظيم المجتمع ، وقتال أبي بكر لما فرض الزكاة يدل على أن الحق لولي الأمر ، وقال " والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ،والله لو منعوني عتاقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها (5) وهذا يؤكد عموم الآية " خذ من أموالهم صدقة " في الأخذ ليس خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلم ،وإنما عام لولي الأمر المسئول عن إقامة الدين ورعاية شؤون المسلمين .
    وجاء في أوجز المسالك إلى موطأ مالك : وأما السنة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث المصدقين إلى أحياء العرب والبلدان لأخذ الصدقات من الأنعام والمواشي في أماكنها ،وعلى ذلك فعل الأئمة من بعده من الخلفاء الراشدين (6) .
    وقد ذكر الدكتور القرضاوي في كتابه فقه الزكاة فتاوى بعدد كبير من الصحابة يقررون فيها أن الحق للإمام ،ومنها قول عمر بن الخطاب : ادفعوا صدقاتكم لمن ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها ثم قال القرضاوي : وبعد عرض فتاوي الصحابة نوقن أن الأصل في شريعة الإسلام أن تتولى الحكومة المسلمة أمر الزكاة فتجيبها من أربابها وتصرفها على مستحقها (7) .
    ومن الاستقراء لفتاوي الصحابة يدل ذلك الاستقراء على أن جميعهم يقررون ثبوت حق ولاية أخذ الزكاة وصرفها لولي الأمر فصار ذلك إجماعا منهم ولم يخالفهم في ذلك التابعون ولا الأئمة المجتهدون .
    ومما يؤكد حقيقة الإمام بولاية أمر الزكاة جمعا وصرفا أن الزكاة جزء من نظام الدولة المسلمة وتنظيم للمجتمع المسلم والنظام والتنظيم من أخص مسئوليات الدولة المسلمة التي ترعى شؤون المسلمين بمقتضى الأحكام الشرعية .
    الإمام الجائر :
    أما الإمام الجائر فإذا طالب بدفع الزكاة إليه فلا خلاف في وجوب دفعها إليه والمطالبة منه ترفع الخلاف في وجوب إعطائها إليه لأن المطالبة بمثابة حكم الحاكم في موطن الخلاف .
    وأما إذا لم يطالب بدفعها فللعلماء في ذلك آراء .
    ذهب فريق إلى دفعها له سواء كان جوره متعلق بأخذ الزكاة وصرفها أو في غيرها ،وذهب فريق إلى عدم الدفع للسلطان الجائر لأنه فقد شروط الإمام التي استحق بها الولاية ،وهؤلاء ينظرون إلى أن الجور مؤثر في العدل الذي يستحق به الولاية .
    أدلة الفريق الأول :
    1- روي عن أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أديت الزكاة إلى رسولك قد برئت منها إلى الله ورسله قال : " نعم " إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها " (Cool.
    2- روي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها " قال : يا رسول الله فما تأمرنا قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم " متفق عليه .
    3- روي عن وائل بن حجر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألون حقهم فقال : " اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " رواه مسلم والترمذي وصححه .
    قال الشوكاني الأحاديث المذكورة استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وأجزائها (9).
    واستدلوا أيضا بحديث روي عن جابر بن عتيك مرفوعا عن أبي داود بلفظ " سيأتيكم ركب مبغوض فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون ،فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليهم وارضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم " (10) .
    واستدلوا بفتاوى الصحابة روي عن ابن عمر وسعد ابن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي سعيد عن سعيد ابن منصور وابن أبي شيبة أن رجلا سألهم عن الدفع إلى السلطان فقالوا :ادفعها إلى السلطان وفي رواية أنه قال لهم :هذا السلطان يفعل ما ترون فادفع إليه زكاتي قالوا :نعم رواه البيهقي عنهم وعن غيرهم ،وروي عن أبي شيبة من طريق قزعة قال :قلت لابن عمر أن لي مالا فإلى من أدفع زكاته قال :ادفعها إلى هؤلاء القوم - يعني الأمراء - قلت :إذا يتخذون بها ثيابا وطيبا قال :وإن ، وفي رواية أنه قال :ادفعوا صدقة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها .
    هذه هي بعض أدلة الفريق الأول وهم الجمهور القائلون بدفع الزكاة للسلطان ولو كان جائرا .
    أدلة الفريق المانع دفع الزكاة لسلاطين الجور :
    استدل هذا الفريق بقوله تعالى : " ولا ينال عهدي الظالمين " وجه الدلالة أن سلاطين الجور ظلمة والله نزع عهده من الظالمين بالتالي لا ينال ولاية أخذ الزكاة وصرفها ،ورد عليهم الفريق الأول بأن الآية ليست في كل النزاع وعلى فرض أنها دليل في كل النزاع فقد خصصت بالأحاديث المذكورة .
    واستدلوا أيضا بما رواه أبي شيبة عن خزيمة قال :سألت ابن عمر عن الزكاة فقال :ادفعها إليهم ،ثم سألته بعد ذلك فقال :لا تدفعها فإنهم قد أضاعوا الصلاة (11) .
    ورد عليهم الجمهور بأن هذا قول صحابي لا حجة فيه ومع ذلك فهو ضعيف الإسناد لأنه من رواية جابر.
    موازنة بين أدلة الفريقين :
    الفريق الأول تمسك بالأصل المتفق عليه وهو أن أصل ولاية جمع الزكاة وصرفها ثبتت لولي الأمر وجوره لا يسلبه هذا الحق لأنهم قالوا لا يعزل ولا يجوز الخروج عليه إلا أن كفر كما ذكر صاحب إصاءة الدجنة حين قال :
    " ولا يجوز عزله إلا أن كفر ،وحافر البغي هوى فيما حفر " لأن عزله قد تترتب فتنة بين المسلمين تكون عاقبتها أعظم من ظلمه .
    والفريق الثاني يرى الجور يخل الولاية وهي العدل وبالتالي يسقط حقه في ولاية الزكاة جمعا وصرفا.
    ورأي الفريق الأول أرجح لأن أدلتهم من القرآن والسنة والإجماع واضحة الدلالة في الموضوع ،ولأن الزكاة من نظام الدولة وتنظيم المجتمع كما قلنا سابقا وما دام السلطان هو قائم على أمر الدولة ومسئول عن إقامة الدنيا فيها فلا يسقط حقه في ولاية الزكاة جمعا وصرفها ،ولا يسقط حقه في بقية أمور الدولة ،ولأن الفريق الثاني يوافق الجمهور في حالة مطالبة السلطان بالزكاة لأنهم لا يقولون بالامتناع فهذا دليل على اعترافهم بحقه .
    آراء بعض أئمة المذاهب :
    رأي المالكية جاء في المدونة الكبرى ،قال مالك :إذا كان الإمام يعدل لم يسع الرجل أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غيره ،ولكن يدفع زكاة الناضي للإمام ،وأما ما كان من الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك ،وسئل عن الخوارج يأخذون الصدقات والجزية ثم قتلوا هل تؤخذ الصدقات والجزية مرة ثانية فقال لا أرى ذلك تؤخذ منهم ثانية (12) .
    وقال الدرديري في الشرح الكبير على مختصر خليل:أن من دفعها لجائر معروف بالجور في صرفها وجار بالفعل لم يجر بأن دفعها لمستحقها أجزأت ،إما إذا كان عادلا في الأخذ والصرف وجائرا في غيرها فالدفع إليه واجب (13).
    يرى المالكية أنها تدفع للسلطان الجائر - إذا كان جوره لا يتعلق بالأخذ والصرف - أما إذا كان جوره يتعلق بالأخذ والصرف فلصاحب المال التهرب من الدفع إليه إذا كان ذلك ممكنا .
    رأي الحنفية :يرى الحنفية أن سلاطين الجور إذا أخذوا زكاة الأموال الظاهرة أو الخراج وصرفوها في محلها فلا إعادة على أربابها وإن لم يصرفوها في محلها المشروع فعلى أصحاب الأموال إعادة فيما بينهم وبين الله ،أما الخراج فلا إعادة له لأنهم مصارفه فهو حق المقاتلة ،وهم يقاتلون أهل الحرب ،واختلف في الأموال الباطنة فافتى بعضهم بعدم الإجزاء لأنه ليس للظالمين ولاية أخذ الزكاة وصرفها ولهذا لا يصح الدفع إليهم وأفتى بعضهم بالصحة (14) .
    رأي الحنابلة أن الخوارج والبغاة إذا أخذوا الزكاة أجزأ عن صاحبها وكذلك كل من أخذها من السلاطين أجزأ صاحبها سواء عدل فيها أو جار وسواء أخذها قهرا أو دفعها إلي اختيارا (15).
    خلاصة القول في هذه المسالة :
    إن ولاية أخذ الزكاة وصرفها من مصارفها حق ثابت بالأصالة لولي الأمر في الدولة المسلمة، فإن كان عادلا أجمع السلف والخلق على ثبوت هذه الولاية له. وإن كان جائرا وطالب بدفعها إليه فإن الجميع يتفقون على وجوب دفعها إليه ،وإن كان جائرا وجوره لا يتعلق بالأخذ والصرف فإنها تعطي إليه ،وإن كان جائرا وجوره يتعلق بالأخذ والصرف فلصاحب المال إن وجد حيلة للتهرب وصرفها بنفسه على المستحقين ،وأما من أكره فله أن يفعل .
    وإذا لم يكن بالبلاد ولي أمر أو كان كافرا أو كان مسلما ولكنه لا يسأل عن الزكاة فعلى الأفراد المسلمين أن يخرجوا زكاة أموالهم ويصرفوها في مصارفها كما يؤدون الصلاة ،ولا تسقط الزكاة بغياب ولي الأمر المسلم ولو أمرهم ولي الأمر بالترك .والزكاة لا تسقط أيضا بعدم وجود الفقراء لأنها شرعت علاجا للأغنياء قبل الفقراء ،والأغنياء يؤدون الزكاة لمعالجة نفوسهم من أمراض الشح والجشع والبخل فهي فريضة لائحة .
    تقسم الأموال إلى أمال ظاهرة وأموال باطنة :
    قسم الفقهاء الأموال إلى أموال ظاهرة وأموال باطنة ،وقالوا المال الظاهر هو المواشي وما أمبتت الأرض ،والمال الذي يمر به التاجر على العشار ،والمال الباطن هو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها (16) ،ورتبوا على هذا التقسيم إختلافهم في عموم ولاية ولي الأمر في أخذ الزكاة وصرفها.
    بعضهم يرى أن الولاية عامة لا فرق بين ظاهر وباطن ،وبعضهم يرى أن الولاية خاصة تكون ولاية الإمام على جمع الزكاة وصرفها خاصة بالأموال الظاهرة دون الأموال الباطنة .
    هذا التقسيم الذي بني عليه الخلاف لم يثبت بدليل لا من الكتاب ولا من السنة ،وإنما أخذوه من بعض مظاهر واقعية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهود الخلفاء الراشدين لأنهم تركوا أو فوضوا لأصحاب الأموال المسمى بالباطن أن يخرجوا زكاتهم ويصرفونها في مصارفها ،وهذا لا يصير دليلا على هذا التقسيم لأن ولي الأمر له الحق في تفويض أصحاب الأموال الظاهرة أن رأي ذلك بحسب الحاجة والظروف .
    لي ملاحظة في هذا المقام :
    هذه الملاحظة لم أجد أحدا تطرق لها في كتب الفقه التي اطلعت عليها ،والملاحظ محاولة للإجابة على سؤال يقول :لماذا اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بارسال السعاة إلى أصحاب الماشية في البادية ولم يفعل ذلك مع أهل الحضر والزروع .
    إن تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية يعتمد على أمرين ،إما وازع إيماني وإما وازع سلطاني ، ومن الدافع نعلم أن الوازع الإيماني غالبا ما يكون أقوى في أهل الحضر والقرى منه في أهل البادية من الأعراب ،وقد قال الله تعالى في الأعراب :" الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم " التوبة آية 97 .
    وروي عن الإمام مالك أنه قال :الأعرابي لا يؤم المسافرين ولا الحاضرين وإن كان اقرؤهم" وكذلك روي عن حميد بن عبد الرحمن أنه كره أن يؤم الأعرابي (17) .
    وسبب ضعف الإيمان عند أهل البادية :
    الوازع الإيماني ضعيف عند أهل البادية وخاصة فيما يتعلق بإنفاق المال في غير عادة الكرم، لأن الأعرابي البدوي يتعامل مع مال فيه حياة وروح بخلاف أهل الحضر فإنهم يتعاملون في مال النقدين والمحاصيل وهذا جماد لا روح فيه ،وارتباط الإنسان بالمال الذي فيه حياة أقوى من الذي ليس فيه حياة .ولذلك خص الله الأنعام بأوصاف السرور حيث قال لأهلها " والأنعام خلقها لكم في دفء ومنافع ومنها تأكلون ،ولكم فيها جمال حين تربحون وحين تسرحون " النحل آية 5-6 .
    هذه الأوصاف تختلج مع مشاعر الإنسان ولا يعلمها إلا من عاش في البادية وتعامل مع هذه الأنعام.
    ثم إن الأعرابي البدوي بعيد عن أماكن المواعظ اليومية والدروس العلمية وقد يكون مشغولا بماله عن تلاوة القرآن ومذاكرة العلم كل ذلك يسبب ضعف الوازع الإيماني فيه ،ذلك الوازع الذي يكون باعثا له على أداء الزكاة كما أنه قد يكون مشغولا غالبا برعاية ماله بحثا عن الكلأ والماء.
    ولذلك لابد من السعاة الذين يتابعونه ويأتون إليه لأخذ الزكاة منه. وهذا ما كان عليه الأعراب في صدر الإسلام ،كان الوازع الإيماني فيهم ضعيف والدليل على ذلك أن بعضهم امتنع عن أداء الزكاة لمجرد أنه علم بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ،ومنهم من برر امتناعه بأنها كانت شخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد توفى.
    الواقع عندما يؤكد هذه الملاحظة :
    نحن نشأنا في إقليم كردفان بالسودان وهو إقليم يجمع بين بادية الإبل وبادية البقر والقرى والحضر ،فالملاحظة أن القرى الذي يعتمدون على زراعة المحاصيل يهتمون اهتماما بالغا بإخراج الزكاة حتى من شدة المبالغة إنهم يزكون ما أخرجه الزرع ولو لم يبلغ المحصول مقدار النصاب الشرعي حتى ولو كان عشر صاع يخرجون العاشر ويسمونه حق الله ويسمونه أيضا الحرام لأن الله حرمه على صاحب المال.
    ولا يدخل الواحد منهم الزكاة في بيته لأنه يخشى من أن يناولها أحد أفراد الأسرة خطأ، وملتزمون بهذا الأداء حتى أيام المستعمر البغيض ،يؤدون هذه الزكاة في المحاصيل العشرين على حسب مذهب مالك.
    أما أهل البادية من الإبل والبقر فإنهم تاركون للزكاة حتى ولو كان الواحد منهم يصلي ويصوم ويحج ،وقد تجد الواحد منهم كريم ويصرف في الضيافة بسخاء لأنها عادة ،ولكن عندما نطلب منه إخراج الزكاة تجده يتصعب نفسيا قبول إخراجها ويصعب عليه أن يخرج بهيمة حية من أنعامه ليعطيها للفقراء مع أنه حال الكرم قد يذبح بهيمة أكبر من بهيمة الزكاة ولا يشعر بالصعوبة النفسية لأن العرف غلاب.
    ثم إن زكاة الماشية والزروع جمعها ورعايتها وحفظها مكلف فإذا تركت لأصحاب الماشية يتحملون ذلك مع شغلهم الشاغل بمواشيهم لزادهم ذلك كسلا وتهربا من الأمر وهو الزكاة.
    وهذه الملاحظة اقترح على الأمانة العامة للهيئة الشرعية العالمية الزكاة أن تقوم بدراستها بواسطة المختصين في مجال علم النفس وعلاقة الإنسان بالمال الظاهر أو الأنعام لعلهم يخرجون بنتائج تساعد على توسيع مدارك الفهم في مثل هذه الأمور الفقهية.
    مقارنة بين أهل الإبل وأهل بادية البقر ،الملاحظ في أهل البقر أن قلوبهم أرق ،وأنهم يحافظون على الصلاة والصيام أكثر من بادية الإبل ،وأنهم لا يعرفون النفاق وإنما يقولون ما في نفوسهم بصراحة ولا يعرفون الغدر والمكر ،أما أهل بادية الجمال فإن قلوبهم أشد غلظة، وأنهم يميلون إلى النفاق والمكر وعدم الصراحة بما في حقيقة نفوسهم .وفي ظني هذا يرجع إلى طبيعة الحيوان الذي يشربون منه اللبن الذي يعيشون عليه ،لأن الثور عندما يريد الانتقام لنفسه لا يعرف الغدر وإنما يواجه ،وأما الجمل عندما يريد الانتقام لنفسه لا يواجه وإنما يعتمد على الغدر والمكر ولو بصاحبه إذا ضربه ضربا شديدا وشعر بالامتضاض لا يواجه وإنما ينتظر الفرصة وفي نوم ضاربه يغدر به وهذا يحصل كثيرا في مستوى معينا من الجمال.
    ومما تقدم نقول أن تقسيم الأموال إلى ظاهرة وباطنه بالنسبة لثبوت ولاية ولي الأمر في أخذ الزكاة وصرفها لا يعتمد على دليل شرعي يخرج المال الباطن عن ولاية ولي الأمر ويؤكد هذا قول الإمام مالك :إذا كان الإمام يعدل لم يسع الرجل أن يفرق زكاة ماله الباطن ولا غير ذلك ولكن يدفع زكاة الباطن إلى الإمام وأما ما كان من الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك (18) .
    فالإمام مالك يرى أن المال الباطن صاحبه يذهب به إلى الإمام ،وأمواله التي تحتاج إلى تكلفة مثل المواشي والمحاصيل الزراعية فإن الإمام هو الذي يقوم بإرسال السعاة لأخذها من أصحابها.
    وخلاصة القول في هذه المسالة :أن ولاية ولي الأمر عامة في جميع أنواع الأموال الخاضعة للزكاة ،وتقسم الأموال إلى ظاهر وباطن لا يعتمد على سند شرعي يخرج ولاية ولي الأمر على المال الباطن وولايته على جميع الأموال كما بينه بالكتاب والسنة.
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty تتمة

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الجمعة يناير 21, 2011 11:10 pm

    هل لولي الأمر التنازل عن حقه في جمع الزكاة وصرفها ويترك ذلك لأصحب الأموال؟
    الواقع التاريخي في الإسلام يدل على أن لولي الأمر أن يفوض أصحاب الأموال في إخراج الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية متى ما علم أنهم يحرصون على الأداء والصرف على المستحقين ، هذا ما حصل في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه والذي حاول الفقهاء أن يتخذوه حجة في تقسيم الأموال إلى ظاهر وباطن . جاء في أوجز المسالك إلى موطأ مالك.
    " وأما الباطن الذي يكون في المصر فقال عامة مشايخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب بزكاته وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما طالبا ،وعثمان رضي الله عنه طالب زمانا ولما كثر أموال الناس ورأى أن في تتبعها حرجا على الأمة فوض الأداء إلى أرباب الأموال (19) .
    ونقل الدكتور القرضاوي كلاما للشيخ كمال الدين بن الهمام من علماء الحنفية قال : " إن ظاهر قوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة " يوجب حق أخذ الزكاة مطلقا للإمام - يعني الأموال الظاهرة والباطنة - وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان من بعده، فلما ولى عثمان وظهر تغير الناس كره أن يفتش السعاة على الناس مستور أموالهم ففوض الدفع إلى الملاك نيابة عنه ،ولم يختلف الصحابة عليه في ذلك ،وهذا لا يسقط طلب الإمام أصلا ،ولذا لو علم أن أهل بلد لا يؤدون زكاتهم طالبهم بها (20) .ونقل أيضا عن الكساني في البدائع قوله " كان يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى زمن عثمان رضي الله عنه فلما كثرت الأموال في زمانه رأى المصلحة في أن يفوض الأداء إلى أربابها بإجماع الصحابة ، فصار أرباب الأموال كالوكلاء عن الإمام ،ألا ترى أنه قال Sad من كان عليه دين فليؤده وليزك من ماله ) فهذا توكيل لأرباب الأموال بإخراج الزكاة فلا يبطل حق الإمام ،لهذا قال أصحابنا ،إن الإمام إذا علم من أهل بلد أنهم يتركون أداء الزكاة فإنه يطالبهم بها (21) .
    يقول الدكتور القرضاوي ومن هذا يثبت أن الأصل العم هو:
    أن الإمام هو الذي يجمع الزكوات من الأموال الظاهرة والأموال الباطنة وأنه لما صعب جمعها من الأموال الباطنة في عهد عثمان وكانت أموال بيت المال بكل أقسامه مكدسة فيه تركها لأربابها يؤدونها بالنيابة عنه فإذا أخلوا بواجب النيابة ولم يؤدوا حق الله في مالهم تولى الإمام الجمع بنفسه كما هو الأصل (22) .
    مما تقدم يتأكد لنا أن الإمام له حق التفويض لأرباب الأموال في إخراج الزكاة وصرفها في مصارفها بحسب ما يراه الإمام مصلحة عامة ،وخاصة في الأموال الباطنة ،وعليه واجب المراقبة والمتابعة حتى إذا رأى خللا في أداء أرباب الأموال تدخل ليتحمل مسئوليته بحكم الولاية الأصلية.
    وإذا جاز لولي الأمر أن يفوض أمر الزكاة للأفراد ضمن باب الأولى يجوز أن يفوض أمرها للجماعة في صورة مؤسسات أو هيئات أو جمعيات خيرية أو صناديق أو بيوت للزكاة بشرط أن تكون مسئولية الرقابة والمتابعة بحسن الأداء عليه ،وكذلك بشرط ألا تزيد مصاريف الإدارة على سهم العاملين عليها حتى لا تتعرض حقوق الآخرين بتضخم الإدارة والصرف عليها.
    وعلى هذا الأساس يمكننا أن نحل مشاكل واقعنا المعاصر في موضوع جمع الزكاة وصرفها على المستحقين ،والدولة يمكنها أن تأخذ ما يخص المصارف العامة مثل في سبيل الله - والمؤلفة قلوبهم إن كانت تعني بالإسلام دعوة وجهادا ،وإلا تركت كل الأمر لهذه الهيئات والجمعيات لأنها غالبا ما تكون قائمة على أساس الدعوة إلى الإسلام ورعاية شئون الضعفاء والمستضعفين في محل وجوب الزكاة أو في غيره من الأقطار الإسلامية أو الأقليات الإسلامية .وهذا لا يسقط حق الدولة الثابت لها بالأصالة .
    قانون الزكاة في السودان لعام 1983 لم يفرق الأموال الظاهرة والباطنة وإنما طلب من جميع أصحاب الأموال أن يدفعوا زكاتهم للدولة حتى زكاة المال المستفاد مثل الرواتب والأجور وبعض الأعمال التي يكسب منها الناس كسبا مؤقتا .
    المسألة الثانية : إلزامية الزكاة والضريبة وخاصة في الواقع المعاصر .
    بين الزكاة والضريبة تشابه ظاهري ولكن هناك فروقا جوهرية بين الزكاة والضريبة. أولا الضريبة كما عرفها علماء المالية: هي فريضة إلزامية يلتزم الممول بأدائها إلى الدولة تبعا لمقدرته على الدفع بغض النظر عن المنافع التي تعود عليه من وراء الخدمات التي تؤديها السلطات العامة وتستخدم حصيلتها في النفقات العامة من ناحية ،وتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الأغراض التي تنشرها الدولة من ناحية أخرى (23) .
    والزكاة هي إعطاء جزء من النصاب إلى فقير ونحوه غير متصف بمانع شرعي (24) .
    الفروق :
    1- الزكاة فريضة دائمة أوجبها الله على المسلم في ماله يؤديها حقا للآخرين سواء وجد السلطان أم لم يوجد والضريبة واجب طارئ تمليه الظروف المالية للدولة الإسلامية للقيام بمسؤولياتها الجهادية ورعاية المصلحة العامة للأمة إذا لم توجد موارد كافية ولها إسقاطها كليا أو جزئيا في أي وقت .
    2- الزكاة شرعت كمقوم أساسي لبناء المجتمع المسلم وحمايته من الأمراض الاجتماعية الخبيثة مثل البخل والشح والجشع والحقد والجسد والغل وتطهير المجتمع من هذه الأمراض ضروري في كل زمان ومكان. والضريبة ليست كذلك إنما توجد إذا وجدت الحاجة الطارئة لها ويمكن أن تزول بزوال الحاجة .
    3- الزكاة محددة المقادير بنصوص شرعية وكذلك محددة جهات الرصف لا تتعدها بخلاف الضريبة فإنها تحدد مقدارا أو صرفا بتقدير السلطة المقرر لها ،ويعتمد في تقديرها على المبادئ العامة وقواعد الفقه الكلية وليست لها جهات صرف تحدده ،ولا يحق للسلطان أن يسقط الزكاة كليا أو جزئيا.
    4- الزكاة يشترط في وجوبها الإسلام فلا تجب على غير المسلم والضريبة يمكن فرضها على المسلم وغيره.
    5- الزكاة يراعي فيها إشباع حاجة المحتاجين في مكان الوجوب،ويرى بعض الفقهاء عدم جواز نقلها إلى غيره إلا إذا لم يوجد المحتاجون أو كان المكان المنقولة إليه فيه من هو أكثر حاجة بخلاف الضريبة فإنها لا تتقيد بمثل هذه القيود.
    6- الزكاة عبادة مالية وهي أخت الصلاة تحتاج إلى النية في أدائها وفيها معاني روحية لا توجد في الضريبة ،والعبد في أداء الزكاة يلاحظ علاقته بالله قبل علاقته بالسلطان أكثر من علاقته بالله.
    مشروعية الضرائب :
    اتفقت كلمة فقهاء المذاهب الأربعة على جواز فرض الضرائب بشرط أن تكون عادلة وأن تكون الخزينة العامة في حاجة إليها لتصرف في مصالح المسلمين وحمايتهم وكثير منهم أفتى بالجواز ،وتجب إذا كانت للمحافظة على الدين أو النفس بل بعضهم قال حتى لو كان دفعها يحافظ على المال الأكثر يكون واجبا من باب المحافظة على المال الكثير بدفع القليل منه.
    والأصوليون وأصحاب قواعد الفقه الكلية يؤكدون هذا بقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبقاعدة المحافظة على الدين والنفس مقدمة على المحافظة على المال.
    يقول الإمام الغزالي في كتابه المستصفي في علم الأصول: " وإذا خلت الأيدي من الموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر وخيف من ذلك دخول العدو بلاد الإسلام أو ثورات الفتنة من قبل أهل الشر جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند ،لأنه نعلم إنه إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشارع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين ،وما يؤديه كل واحد منهم - أي الأغنياء - قليل بالإضافة إلى ما يخطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام أي بلاده من ذي شوكة أي حاكم قوي يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور (25) وأكد هذا القول في كتابه شفاء القليل في التعليل .
    ويقول الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام " إنا إذا قدرنا إماما مطاعا مفتقرا إلى تكثير الجند لسد حاجة الثغور وحماية الملك المتسع الأقطار وخلا بيت المال وارتفعت حاجة الجند إلى مال يكفيهم فللإمام إذا كان عادلا أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا لهم في الحال ،إلى أن يظهر مال في بيت المال ثم قال الشاطبي وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين يعني في عهود الإسلام السابقة لاتساع بيت المال في زمانهم بخلاف زماننا فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك بطلت شوكة الإمام وصارت ديارنا عرضة لاستيلاء الكفار ،وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام فالذين يفرون من الدواهي يعني الضرائب لو تنقطع عنهم الشوكة لحقهم من الأضرار ما يستحقرون بالإضافة إليها أموالهم كلها فضلا عن السير منها ،فإذا عورض العظيم بالضرر اللاحق بهم بأخذ البعض من أموالهم فلا يتمارى في ترجيح الثاني عن الأول (26).
    مبدأ مشروعية الضرائب للظروف الطارئة أو لحاجة الدولة للقيام بالمصلحة العامة مبدأ متفق عليه عند فقهاء المذاهب بقيود وشروط ذكروها منها عدالة الإمام فرض الضريبة بالقواعد الشرعية المرعية في رعاية المصالح المرسلة،ويؤكد الفقهاء في ذلك علم الأصول الضريبة بالقواعد الشرعية المرعية في رعاية المصالح المرسلة،ويؤكد الفقهاء في ذلك علم الأصول وعلماء قواعد الفقه الكلية.
    والزكاة تختلف عن الضريبة من حيث الموجب والمقادير وجهات الصرف والديمومة وأنها عبادة يؤديها الفرد ابتغاء مرضاة ربه سواء وجد السلطان أم لم يوجد. والضريبة لا تغني عن الزكاة في أية حال من الأحوال ،وقد أورد الدكتور يوسف القرضاوي عددا من الفتاوي لفقهاء متقدمين وفقهاء معاصرين كلها تجمع على عدم إغناء الضريبة عن الزكاة (27) .
    خلاصة القول في المسألة :أن الزكاة فريضة دائمة وعبادة قائمة لابد من إخراجها ولا يؤثر في وجوبها ومقدارها الضرائب أو أي مال يؤخذه السلطان للمصلحة العامة حتى لو كان ذلك المال الذي أخذه السلطان أخذه بغير حق كالمكس ،والضريبة العادلة حق مقرر في أموال الأغنياء للظروف الطارئة والمصلحة العامة واعتمد في مشروعيتها على المبادئ العامة والقواعد الفقهية في رعاية المصالح ودفع المفاسد ،والضريبة لا تغني عن الزكاة ، فالمال أوجب الله فيه حقوقا دائمة كالزكاة وحقوقا طارئة ،وهذه من خصائص الشريعة الإسلامية إنها دائم تجمع بين الثبات والمرونة في الأحكام ،فالزكاة من الأحكام الثابتة التي لا تتأثر بالزمان ولا المكان ،والضريبة من الأحكام المرنة التي تخضع لظروف الزمان والمكان.
    قانون الزكاة لسنة 1983 - 1984 بالسودان جمع بين فريضة الزكاة والضرائب والدولة أنشأت ديوانا باسم ديوان الزكاة والضرائب ،فيه قسم الزكاة وقسم الضرائب ،وبعد حكومة الانتقال فصل ديوان الزكاة عن ديوان الضرائب ثم ضم ديوان الزكاة أخيرا إلى وزارة الرعاية والشئون الاجتماعية والزكاة ،والقانون حاول أن يخفف في ضريبة الدخول الشخصية وذلك بخصم الزكاة من ضريبة الأرباح لأن الضريبة يدفعها المسلم وغيره .وأيضا القانون أعفا أصحاب الرواتب من بعض الضرائب لأنه فرض عليهم الزكاة بقاعدة تزكية المال المستفاد يزكي يوم قبضه فالرواتب والأجور والمكفاءات والجوائز كلها تخضع للزكاة .
    المسألة الثانية :
    المسألة تقول هل يجوز صرف الزكاة في صنف أو أكثر من مصارف الزكاة الثانية أم أنه لابد من تعميم الأصناف الثمانية التي ذكرها الله في القرآن الكريم بقوله: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية ؟
    للأئمة في هذه المسألة رأيان :
    ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى أنه يجوز للإمام أن يصرف الزكاة في صنف واحد أو أكثر من صنف واحد إذا رأى ذلك بحسب الحاجة (28) ،وذهب الإمام الشافعي إلى أنه لا يجوز ذلك بل لابد من صرفها على الأصناف الثمانية كما سمى الله تعالى(29).
    وذكر ابن رشد سبب الاختلاف فقال : سبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى ،فإن اللفظ يقتضي القسمة بينهم جميعا ،والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة إذا كان المقصود به سد الخلة فكان تعزيزهم فالآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس - أعني الصدقات لا تشريكهم في الصدقة ،فالأول أظهر من جهة اللفظ وهذا أظهر من جهة المعنى (30) .
    استدل القائلون بالجوار بالآتي :
    1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم " فأخبر مأمور برد ملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ، فهذا دليل على الجواز.
    2- أن الزكاة إذا جمعها الساعي وكانت قدر أتعابه يأخذها كلها ولا يجب صرفها إلى جميع الأصناف ،وكذلك إذا فرقها لمالك ،ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد ،والآية أريد بها بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم (31) .
    3- والسن العملية ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت يأتيه المال فيصرفه في صنف واحد مرة في الفقراء ومرة في المؤلفة قلوبهم (32) .
    4- قال بالجواز عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيدة وأصحاب الرأي (33) وهذه بعض الأدلة التي اعتمد عليها القائلون بالجواز .
    واستدل القائلون بعدم الجاز بالآتي :
    بما روي عن زياد بن الحارث الصدائي قال :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله لم يرض بحكم ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك " (34) رواه أبو داود .
    ذكر الشوكاني أن حديث زايد بن الحرث الصدائي في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد .
    موازنة بين أدلة الفريقين :
    إذا وازنا بين أدلة الفريق المجوز والفريق القائل بعدم الجواز نجد أن أدلة القائلين بالجواز أقوى لأن السنة القولية والعملية ومقاصد الشريعة تؤكد ما ذهبوا إليه ،والحديث الذي استدل به المانعون لا يدل صراحة على مدعاهم ثم إن مقاصد الشريعة تؤكد أن حكمة مشروعية الزكاة هي من الحاجة للمحتاجين وتقديم من هو في درجة الضرورة على الذي هو في درجة الحاجة،والآية تدل على أن مصاريف الزكاة محصورة في الأصناف الثمانية ،ولكنها لا تدل دلالة قاطعة على تعميم الزكاة على الأصناف الثمانية ،والقائلون بالجواز يقولون بأولية التعميم إن أمكن أو التعميم مستحب لأنه يخرج بذلك عن الخلاف يحصل أي جزاء يقينا(35).
    ومما تقدم نعلم أن الرأي الأرجح رأي القائلين بالجواز والإمام له أن يصرف الزكاة في صنف أو أكثر إن دعت الحاجة أو المصلحة إلى ذلك وهذا يتفق مع مقاصد الشرع ،والإمام عليه أن يراعي المصلحة وشدة الحاجة ويرتب الأولويات بحسب الظروف التي أمامه والوقت الذي هو فيه .
    والرأي عند معظم الفقهاء أن الأصناف الثمانية باقية ما بقي السلام على الأرض ،وبعضهم يرى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد انتهى ومنهم الإمام الشافعي وأبو حنفية وعلل ذلك بقوة الدولة الإسلامية التي صارت لا تحتاج إلى المؤلفة ،والإمام مالك يقول بهذا ،ولكنهم لا يقولون بسقوط الحكم بالنسخ بل ويعللون بأن مناط الحكم لم يوجد وبالتالي لا وجود للحكم بدون علته ومناطه ،مما يدل على أنهم لا يقولون بسقوط المؤلفة سقوطا دائما ولو تغيرت أحوال الدولة الإسلامية واحتاجت إلى التأليف لعاد الحكم.
    ويقول ابن رشد سبب اختلافهم هل تأليف المؤلفة خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ،أم أنه عام ولسائر الأم والأظهر أنه عام ،وهل يجوز ذلك للإمام في كل أحواله أو في حال دون حال أعني في حال الضعف في حال القوة وبذلك قال الإمام مالك لا حاجة إلى المؤلفة الآن لقوة الإسلام وهذا التفات منه إلى المصالح (36) .
    خلاصة القول في المسألة :
    إن ولي الأمر له أن يصرف الزكاة كلها في صنف واحد أو أكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو اقتضت المصلحة العامة ذلك ،والأفضل عند العلماء تعميم جميع الأصناف إن أمكن ،وإن حكم الأصناف الثمانية باق ما بقي الإسلام ،والصنف الذي لا يستوفي الشروط حول اسمه لأقرب مشابه له مثل سهم وفي الرقاب يمكن تحويله إلى وفي سبيل الله ويعطي للمجاهدين وخاصة الذين يقعون تحت سيطرة الكفار ،ويجاهدون لتحرير أنفسهم منهم ليتمكنوا من قامة شرع الله في حياتهم العامة الخاصة،ومثل سهم المؤلفة قلوبهم يمكن تحويله إلى أعمال الدعوة الإسلامية، أننا لو وجدنا حاكما أفريقيا غير مسلم يقف أمام حرية الدعوة فلو أعطيناه من سهم المؤلفة قلوبهم يفتح الطريق أمام الدعوة والدعاة ويمكن لهم من العمل في بلاده ويحميهم فإننا نفعل ذلك دون تردد .لأنه على الإسلام بخير .
    نحن في مجلس الإفتاء الشرعي بالسودان أفتينا بجواز صرف الزكاة على بعض المصارف إن دعت الحاجة أو اقتضت المصلحة ذلك بالشروط والقواعد المقررة شرعا في رعاية المصالح وتقديم الضروري على ما هو في درجة الحاجة .
    المسألة الرابعة :
    المسألة تقول :إن معظم الأقطار الإسلامية يعيش فيها مواطنون من غير المسلمين ،ويتمتعون حقوق المواطنة مثل المسلمين سواء بسواء.
    فكيف نعامل هؤلاء في مقابل معاملة المسلمين بأخذ الزكاة من أموالهم فهل يجوز لنا أن نفرض عليهم الزكاة أو مالا يعادل ما يخرجه المسلم زكاة ونطلق عليه أي اسم لأنهم لا يدفعون الجزية وصاروا يتحرجون ويستنكفون من إسم الجزية.
    الإجابة : أولا: إجماع علماء الإسلام سلفا وخلفا على عدم وجوب الزكاة على غير المسلم يقطع النظر عن الخلاف في مسألة هل الكفار مخاطبون فرع الشريعة أم لا ؟ لأن الزكاة ركن من أركان الدين والذي لم يدخل في الإسلام لا يحق لنا أن نكرهه على الدين والزكاة جزء من حقيقة الإسلام والإكراه على الجزء إكراه على الكل ،ثم إن الزكاة عبادة شرط صحتها الإسلام فمن لم يسلم لا تصح منه الزكاة ول دفعها بنية الزكاة .
    وقد جاء في بداية المجتهد لابن رشد " وأما أهل الذمة فإن الأكثر على أن الزكاة لا تجب على جميعهم إلا ما ورت طائفة من تضعيف الزكاة على نصارى بني تغلب .أعني أن يؤخذ منهم مثلما يؤخذ من المسلمين في كل شيء ،وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري وليس عن مالك في ذلك قول ،وإنما صار هؤلاء لهذا لأنه أثبت أنه فعل عمر بن الخطاب بهم كأنهم رأوا أن مثل هذا هو توقيف ولكن الأصول تعارضه (37)
    قال تعالى :" وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنا هباء منثورا " وقال :" مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء هو الضلال البعيد " إبراهيم 18 .
    وحديث معاذ عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الخ ". يدل على أن المطالبة بالفرائض في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام .
    ومما تقدم نعلم أن الزكاة لا تجب على غير المسلم وفعل عمر مع نصارى بني تغلب يدل على أن ولي الأمر له أن يتعامل مع غير المسلمين بحسب المصلحة التي تعود على الإسلام والمسلمين ،ويدل على أن مال الجزية يمكن تقييده بأي اسم ،وأن غير المسلمين لو جاءوا طوعا واختيارا وطلبوا أن يدفعوا مالا يساوي الزكاة أو يزيد عليها فلولي الأمر أن يوافق على ذلك بحسب الظروف والمصلحة العامة.
    وإذا كان غير المسلم لا تجيب عليه الزكاة فهل يجوز لنا أن نأخذ منه مقدار الزكاة ضريبة ؟
    لا مانع من ذلك ما دنا نعاملهم بغير الجزية وبحكم أنهم مواطنون يتمتعون بكل ما يتمتع به المسلمون من رعاية حماية في ظل الدولة الإسلامية ،يقول الدكتور القرضاوي " والذي يترآى لي بعد البحث :إنه لا مانع من أخذ الزكاة بوصفها ضريبة من غير المسلمين من أهل الذمة إذا رأى ذلك ألو الأمر".
    واستدل على ذلك بأمور:
    منها أن مراد العلماء بقولهم لا تجب الزكاة على غير المسلم هو الوجوب الديني الذي يتعلق به المطالبة في الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة أما الإيجاب السياسي الذي يقرره ولي الأمر بناء على اعتبار المصلحة التي يراها أهل الشورى فلم يرد ما يمنعه .
    ومنها أن أهل الذمة في ديار الإسلام كانوا يدفعون للدولة الإسلامية ضريبة مالية سماها القرآن " الجزية " مشاركة في النفقات العامة للدولة التي تقوم بحمايتهم والدفع عنهم وكفالة العيش لهم وتأمينهم ضد العجز والشيخوخة والفقر كالمسلمين كما رأينا ذلك غاليا في صنيع عمر مع الشيخ اليهودي الذي رآه يسأل على الأبواب ،والواقع الماثل الآن في البلاد الإسلامية أن أهل الكتاب لا يدفعون الجزية ويأنفون من هذا الآن فهل يمكن أن يدفعوا بدلا منها ضريبة على وفق مقادير الزكاة وإن لم تسمى باسمها ، ثم قال :" إن الذي رواه المؤرخون والمحدثون وفقهاء المال في الإسلام عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موقفه من نصارى بني تغلب يعطينا رخصة للنظر في هذا الأمر على ضوء الواقع والمصلحة العامة (38) .
    وقد قال الإمام الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري بما جاء عن عمر بن الخطاب فيما فعله مع نصارى بن تغلب فهم يجوزون فرض مقدار يساوي الزكاة أو يزيد عليها في أموال غير المسلمين بدلا عن الحرية "(39) .
    خلاصة القول في المسألة :أن الزكاة لا تجب في أموال غير المسلمين ،وإنه لا مانع من فرض مقدار من المال في أموال غير المسلمين يعادل ما يدفعه المسلم زكاة أو يزيد عليه ما داموا لا يرغبون في دفع الجزية وهذا المال يمكن أن يسمى بأي اسم يوافقون عليه ويوافق عليه ولي الأمر وهذا المال يشمل المواشي والزروع وأمال التجارة وكل مال تجب فيه على المسلم ،والسند في هذا الأمر ما ثبت من فعل عمر بن الخطاب مع نصارى بني تغلب ووافقه الصحابة وقال به الأئمة المجتهدون والقواعد الأصولية تؤكد ذلك.
    وفي الختام نقول أن الشريعة الإسلامية بأحكامها النصية ومبادئها العامة وقواعدها الأصولية لا تعجز عن حل أي مشكلة تعترض المسلمين ماداموا مسلمين حقا وصدقا ،لأن الشريعة الإسلامية من خصائصها التي تميزت بها عن التشريعات الأخرى سماوية أو وضعية أنها جمعت في أحكامها بين الثبات والمرونة لتكون صالحة لكل زمان ومكان ولا تتأخر عن حياة الإنسان.
    ما قلته في هذا البحث إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني.
    وفقنا الله لما فيه مرضاه .
    أ.د / يوسف حامد العالم باريس 7/9/88
    توفي رحمه الله بتاريخ 9/9/1988 في باريس
    الفاضل الصليحابى
    الفاضل الصليحابى


    عدد المساهمات : 735
    تاريخ التسجيل : 02/07/2010
    الموقع : بورتسودان

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف الفاضل الصليحابى السبت يناير 22, 2011 1:59 am

    كل شكرى وتقديرى لك اخى عبدو على هذا المجهود
    بس يا حبذا لو كبرت لينا الخط شويه
    حقيقتا اطلعت على بحثك فى الزامية الزكاه وتطبيقها من ولى الامر هذا اذا كان يوجد ولى امر اصلا يدرك معنى الزكاه ومقاصده الشرعيه
    قصه بسيطه حصلت لوالدى
    الوالد له مزرعه لعيش دخن وفول سودان والحمد لله كان انتاجه جيد جدا وبعد الحصاد اتضح ان هناك اناس مساكين من البلده المجاوره وقريب من المزرعه بنحو 6 كيلو وحتى زراعتهم لم تنجح فاخرج الزكاه من الصنفين وسلمها لشيخ ذاك البلده وفعلا وزعها لكل المساكين
    ولكن قبل ترحيل المحصول من المزرعه حضروا اناس وقالوا هم من ديوان الزكاه التابع للحكومه فاخبرهم والدى بانه استخرج الزكاه ويمكن الاستفسار و التاكد من اناس تلك البلده الا انهم رفضوا وحددوا الوالد بالمصادره والعقوبه فاخذوا الزكاه حسب مقاديرهم
    غضب الوالد وقام ببيع المحصول فى المزرعه نفسه والتاجر قام بالترحيل وقبل دخوله المدينه اوقفه مسؤلى الضرائب وبعد دفع الضريبه فاذا بناس الزكاة يقفون والتاجر يؤكد لهم بان هذا المحصول تم استخراج الزكاه واستخرج لهم الايصالات الذى يثبت ذالك الا ان ناس الزكاه قالوا له هذا باسم شخص اخر وليس اسمك وبعد الضيق ايضا دفع الزكاه وسرعان ما تجد ناس الزكاه واقفين لى بتاع العصاره (مصنع الزيت من المحصول نفسه)ويدفع ايضا زكاه بعد صناعة المحصول
    يعنى ثلاته زكاه لمحصول واحد فى شهر واحد تحت تهديد واكراه وعدم محسوبيه ومدارك مقاصد الزكاه
    فى النهايه تجد اقرب شهاد يجاور ديوان الزكاه المبنى بافخر الطوب واحدث الاثاثات والشهاد المسكين لا يملك للوجبه
    اعتقد امر الوالى بهذا لا يعتبر زكاه بل نهب حق الغير تحت تهديد واستقلال السلطه .
    bargawi72
    bargawi72


    عدد المساهمات : 392
    تاريخ التسجيل : 25/07/2010
    الموقع : k.s.a

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف bargawi72 السبت يناير 22, 2011 6:14 pm

    شكرا كثير أخي عبدو فى ما قدمت من بحث هام ولى سؤال فقهي فى باب الزكاة هل على الراتب أو الأجر الشهري الذي يتقاضاه العامل زكاة واجبة وما الدليل عليه ان كان التعريف فقها انه مال مخصوص فى زمن مخصوص مر عليه زمن مخصوص يستخرج بمقدار مخصوص حسب قدره كما ونوعا ويصرف على اوجه مخصوصة موقوفة شرعا .والمعلوم ان الأجر الذي يتقاضاه العامل شهري ثم انه يستقطع من راتبه قبل ان يملكه ويكون مقبوضا بيده ثم انه لم يحول عليه حولا ولم يبلغ النصاب الشرعي عند بلوغ الحول .كما ان الراتب او الاجر ربما لا يفى بمتطلبات وحاجات العامل ولو لاسبوع وقد يكون هو مديونا فاولى اداء الدين ثم اداء الزكاة بالوجه الشرعي وبالتالي ان كان ردكم بانه زكاه فلا فهو ضريبة تؤخذ من الراتب لصالح الدولة .ومن شرعها شرعها لمصلحة مرسلة لا تدخل فى باب الزكاة الشرعية قولا واحدا.
    هل أموال الزكاة حقا تصرف على المصارف الثمانية وهي مصارف واوجه موقوفة بنص الشرع ودليلها قطعي وثبوتها ظني .
    لم تبين هل استخراج الزكاة موقوفا على تستخرج لولى الأمر متمثلا فى ديوان الزكاة وممثليهم بحيث ان انت استخرجت زكاة مالك وصرفتها لمن يستحقها لا يعتد بذلك شرعا الا ان دفعت زكاتك لديوان الزكاة . وبالتالي فما دفعته مسبقا ليس بزكاة وانما صدقة ؟ نريد الفتوي فى كلا الصورتين من المسألة .وهذا بيت القصيد وما يريده أخي الفاضل من واقع روايته لك ما حدث وهو كذلك رجل قانون وشريعة وشرطي .واراه قد افتي بان الدولة نصابة فى ذلك
    bargawi72
    bargawi72


    عدد المساهمات : 392
    تاريخ التسجيل : 25/07/2010
    الموقع : k.s.a

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف bargawi72 السبت يناير 22, 2011 6:23 pm

    ملوحظة
    معروف ان الاستاذ الدكتور المرحوم يوسف حامد العالم مدير جامعة القراءن الكريم رحمه الله من أعيان وأعلام الصليحاب ومشايخ السودان .ومن مناطق كردفان نواحي الدبكر على ما اظن .يا عبدو صحح لى المعلومة وانت من كردفان مع شكري واحترامي وتقديري لك
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الإثنين يناير 24, 2011 11:46 pm

    bargawi72 كتب:ملوحظة
    معروف ان الاستاذ الدكتور المرحوم يوسف حامد العالم مدير جامعة القراءن الكريم رحمه الله من أعيان وأعلام الصليحاب ومشايخ السودان .ومن مناطق كردفان نواحي الدبكر على ما اظن .يا عبدو صحح لى المعلومة وانت من كردفان مع شكري واحترامي وتقديري لك

    برفيسور يوسف حامد العالم عليه رحمة الله من علماء السودان والعالم الإسلامي .عمل مديرا لكلية القرآن الكريم تكونت عام 1981م واستاذا بالمعهد العلمي ام درمان تكون عام 1983م.عمل عضوا تنفيذيا بمنظة الدعوة الإسلامية وعرف بالدينمو المحرك لها وهو من قدم لمجلس الأمناء رئيس مجلس الإدارة الحالي الشيخ عبدالرحمن سوار الذهب. من مؤلفاته: مقاصد الشريعة الإسلامية . توفى رحمة الله عليه بباريس في 9-9-1988م
    شكرا على المرور اخي برقاوي بالاصل أنا جزيراوي حديث عهد بالنيل الأبيض
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الثلاثاء يناير 25, 2011 10:58 pm


    بحث
    الدكتور / يوسف حامد العالم
    رحمه الله
    بحث في إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر
    والمسائل المترتبة على ذلك
    تمهيد :
    يشتمل التمهيد على تعريف الزكاة لغة واصطلاحا ،وأدلة وجوبها ،وحكمة مشروعيتها :
    1- الزكاة في اللغة النماء يقال زكاة الزرع إذا نما وترد أيضا بمعنى التطهير ،وترد شعرا بالاعتبارين معا ،أما الأول فلأن إخراجها لسبب النماء في المال ،أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة والمواشي ،ودليل الأول قوله صلى الله عليه وسلم " ما نقص مال من صدقة " لأنها يضاعف ثوابها كما جاء " إن الله تعالى يربي الصدقة " وأما دليل الثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وطهرة من الذنوب (1) . وعرفها صاحب العزية من علماء المالكية : بأنها مال مخصوص يؤخذ من مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا بشروط يصرف في جهات مخصوصة .
    يصرف في جهات مخصوصة .
    ومما تقدم نعلم أن الزكاة حق مالي أوجبه الله عز وجل في مال الأغنياء لسد حاجات المحتاجين من الفقراء والمساكين دعما لبناء المجتمع وحمياته الدين .
    2- أدلة وجوب الزكاة :
    الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة والواجب هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه . أجمع علماء الإسلام على أن الزكاة تجب على المسلم البالغ الحر المالك للنصاب بالشروط المعروفة والمقررة في كتب الفقه ،ووجوب الزكاة معلوم من الدين بالضرورة لأنها ركن من أركان الإسلام وتناقلته الأجيال جيب بعد جيل إلى يومنا هذا ،ودل على وجنوبها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول .
    أما الكتاب فقد تكررت فيه الآيات الآمرة بالفعل والآيات الزاجر عن ترك الفعل ،وجاءت مقرونة بالصلاة في نحو اثنين وثمانين آية ما يدل على عناية القرآن بهذه الفريضة ،كما تكررت في القرآن الكريم الآيات المرغبة في الفعل .
    الآيات الآمرة بالفعل منها : قوله تعالى : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله بما تعملون بصير " ( البقرة آية 110 ) .
    الآيات الزاجرة منها قوله تعالى : " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوفون ما بخلوا به يوم القيامة " ( آل عمران آية : 18 ) .
    ومنها قوله تعالى : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " ( التوبة آية 35 ) .
    ففي هذه الآيات وعيد لا مثيل له ف آية الربا . وبهذا الأسلوب القرآني الآمر والزاجر تقرر وجوب الزكاة .
    أما السنة فجاءت فليها أحاديث كثيرة آمرة بفعل الزكاة وزاجرة عن تركه منها قول صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا له إلا الله وأن محمدا رسول الله ،وأقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا " رواه مسلم والبخاري .
    ومنها ما رواه الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال " إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله فغن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " .
    ومنها ما رواه الطبراني في الأوسط والصغير عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عسروا إلا بما يصنع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما " .
    أما الأحاديث الزاجرة عن ترك الزكاة :
    منها ،ما روي عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ،ما من صاحب ابل لا يؤدي زكاتها غلا بطح لها بقاع قرر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مضى عليه آخرها ردت عليه أولادها حتى يحم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ،وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليست فيها عقصاء ولا جلجاء ،كلما مضى عليه آخرها ردت عليه أولادها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقدار خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " .
    ومنها ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزميته - يعني شدقيه - ثم يقول له أنا مالك أنا كنزك ثم تلي النبي صلى الله عليه وسلم الآية " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله " الخ " .
    وهذه الأحاديث النبوية جاءت مقررة ومؤكدة لما جاء في القرآن الكريم وهي كافية في زجر من كان في قلب إيمان يذكره حساب الآخرة والعذاب المنتظر لمانعي الزكاة ،ولا يمنع الزكاة غلا غافل عن المصير المنتظر .
    أما الإجماع : فقد أجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على وجوب الزكاة ولم يقع خلاف في وجوبها في عصور الإسلام المتعاقبة وبذلك صارت من المعلوم من الدين بالضرورة يعتقد ذلك الوجوب العامة والخاصة من أمة الإسلام ومن جحد وجوبها فهو كافر مرتد ومن أقر بوجوبها وأمتنع عن أدائها تؤخذ منه قهرا ويقاتل عليها فإن قتل صار دمه هدرا وإن قتل يقتص منه .
    أما المعقول : فإن الزكاة فيها وقاية لصاحب المال من الهلاك والدمار لأن حرمان المحتاجين لضروريات الحياة قد يدفعهم إلى الانقضاض على صاحب المال فيقتلونه ويأخذون ماله وحماية النفس والمحافظة عليها مقدم عقلا على حماية المال والمحافظة علي ،وإخراج القدر الواقي من الهلاك تدعو إليه العقول السليمة ،ولا تتم المحافظة إلا بإخراج ذلك القدر فاخراجه واجب عقلا وطبقا.
    3- حكمة مشروعية الزكاة :
    اعتمدت في بيان هذه الحكمة على ما جاء في القرآن من آيات تدل أو تشير غليها بقول الله تعالى " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ،الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ،وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " ( الحج آية 41).
    هذه الآيات نزلت بعد الهجرة وتدل على أن الإيمان والصلاة والزكاة والأمر بالمعروف النهي عن المنكر هي مقومات أساسية للدولة المسلمة والمجتمع المسلم وهي أساس التمكين لدين الله في الأرض ،والتمكين لدين الله في الأرض تم بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ،لأن أركان قيام الدولة اكتملت بوجود الشعب المسلم وحرية الإرادة في تصريف شئون الحياة وتنزيل المعادن والأحكام العملية في حياة الجماعة وبناء المجتمع وهذه الأركان لم تتوفر للمسلمين بمكة .
    1- الإيمان : وهو القاعدة وهو الأساس الذي يقوم عليها البناء لأنه الاعتراف الجازم المطبق للواقع بأن لا إله موجود ومعبود بحق في الوجود إلا الله وحده لا شريك له ،وبهذا الاعتراف يكون الإنسان قد خرج من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وهذا يقتضي الالتزام بمدلول الاعتراف والخضوع والطاعة التامة لمن اعترف به ،وبهذا الإيمان تنشأ العلاقة بين العبد وربه علاقة العبودية والربوبية وهذه لابد من رعايتها والمحافظة عليها حتى لا يضل العبد مرة ثانية ضلالا بعيدا .
    2- الصلاة : من أهم وظائف الصلاة هي المحافظة على الصلة بين العبد وربه وهي تحفظ نور إيمان في قلب المؤمن وتحول بينه وبين المعاصي التي تعتم النور أو تذهب به ، لأن العبد المحافظ على الصلاة يقف خمس مرات في اليوم والليلة أمام خالقه ليجدد الاعتراف بأنه لازال على عهد الاعتراف وأنه لم يعترف بكبير غير الله لم يخضع لسواه لأن الله أكبر عنده من كل كبير ،وبذلك يفتتح صلاته الله أكبر ،فإذا كان صادقا في صلاته بحقها وحقيقتها فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ،لأنه عندما يخرج من صلاة وتقابله الخواطر الشريرة والأهواء الخطيرة يتذكر أنه بعد قليل أو بعد حين سيقف أمام خالقه ،فيكف عن متابعة الخواطر والأهواء التي تدعوه إلى معصية الخالق لأنه يريد أن يكون صادقا عندما يقول الله أكبر ،وبذلك يصير هذا العبد لبنة صالحة في بناء المجتمع الصالح .والإنسان الذي يريد أن يفكر في البناء لابد له من العناية باللبنات قبل عنايته بالملاط الذي يربط به اللبنات ،وهذا هو السر في أن الصلاة والزكاة ذكرتا كثيرا في القرآن مقرونتين ولكن دائما نجد الصلاة تقوم على الزكاة .لأن الصلاة تعطي اللبنة الصالحة والزكاة هي الملاط الذي يربط اللبنات حتى تصير كالجسد الواحد ،والملاط هو ما يعرف " بالمونة التي تعمل من الرمل والأسمنت لتربط بها اللبنات ليكون البناء قويا متينا أو أي رباط يربط به بين اللبنات حتى تكتمل حقيقة البناء " .
    3- الزكاة هي المقوم الذي يربط المجتمع ويشد بعضه إلى بعض ،قبل شرح هذا الموضوع يجدر بنا أن نقرر أن هناك قواعد إيمانية لابد من الإشارة إليها .
    أ - أن الله هو الرزاق يبسط الرزق لمن يشاء ويقبضه عمن يشاء ولا دخل للإنسان إلا بفعل الأسباب التي أمر بها لتحصيل الرزق ولا نستطيع أن نفرق الرزق بقوت البدنية ولا بقوته العقلية ولا بميزات الحسب والنسب وإنما الرزق بيد الله وحده قال الله تعالى : " إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أنه كان بعباده خبيرا بصيرا " ،( الإسراء : آية 30 ) .
    وقال : " أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " ( الروم : آية 33 ) .
    ب - إن بسط الله الرزق لعبده أو لعباده لا يدل على محبته إياه أو إياهم وإن قبضة الرزق عن عبده أو عباده لا يدل على بغضه إياه أو إياهم ،وإنما في كلا الحالتين يعتبر ابتلاء وامتحانا منه لعباده في حالة الغنى وحالة الفقرة كما قال الله تعالى " " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " فمن بسط له الرزق وشكر فقد فاز ومن كفر النعمة فقد خسر الدنيا والآخرة، ومن قبض عنه الرزق صبر فقد فاز ،ومن كفر وتفجر فقد باء بالخسران المبين.
    ت - إن رعاية حقوق المساكين من أهم حقوقات هذا الدين ،والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من عنصرين أساسيين أحدهما مادي والثاني معنوي ،والعنصر المادي له مطالب مادية ملحة ضرورية وحاجية وكمالية ،وتلبية هذه المطالب تتطلب من الإنسان السعي لإشباع هذه المطالب ،وبذلك أمره بالسعي للحصول على الرزق ولكن هذا السعي ما هو إلا سبب ظاهري قد يترتب عليه السبب بقدرة الله وقد لا يترتب عليه
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الثلاثاء يناير 25, 2011 11:17 pm

    بعد هذه المقدمة .
    نقول إن الزكاة دواء للوقاية وللعلاج تقي المجتمع وتعالجه من ستة أمراض خبيثة ثلاثة منها تصيب الأغنياء وثلاثة تصيب الفقراء وهي أمراض مدمرة لبناء المجتمع إذا وجدت ف كل مكان وزمان .
    أمراض الأغنياء هي الشح والجشع والبخل ألفاظ تدل على معنى واحد وهو الحرص على عدم أداء حقوق المال ،وإن كانت الألفاظ بها معاني فرعية دقيقة يختلف فيها لفظ عن لفظ .
    وإذا مرض الأغنياء في المجتمع في أي زمان أو مكان بهذه الأمراض فتكون النتيجة اللازمة أن فقراء ذلك المجتمع سيصابون بأمراض مقابلة وهي الحقد والحسد والغل .وكلما زاد مرض الأغنياء زاد مرض الفقراء وبالتالي سيكون هذا المجتمع على أبوب التصدع والتفكك ثم الدمار كما يقرر القرآن الكريم ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى : " وإنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة " فالإنفاق هنا هو وقاية لصاحب المال من الهلاك ، ومنها قوله تعالى " وكأين من قرية أهلكناها نوهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد " فهذه الآية تدل على أن سبب هلاك القرية هو الظلم ،وتشير إلى أن سبب الظلم هو البئر المعطلة والقصر المشيد ،لأن البئر هي كل الماء والماء يعتبر من أهم ضروريات الحياة ،والقصر المشيد يدل على الترف وعدم المبالاة بحقوق المساكين الذين وصلوا إلى درجة فقدان ضروريات الحياة حتى الماء ،وأهلكت القرية ،ولم تعلم كيفية الهلاك ولكنه قد يكن بأعاصير من السماء أو ببراكين من الأرض أو بصدام بين المحرومين المظلومين وبين المترفين الظالمين ،كما جاء ذلك في قوله تعالى : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون " ( الأنعام آية : 65 ) .
    ومنها قول تعالى : " هأنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمكنهم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ( سورة محمد : 38 ) ومن كثرة تكرار القرآن الكريم لذم البخل والبخلاء وكذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم صار العامة يقولون : البخيل عدو الله وعدو الرسول ويقولون أيضا : البخيل عدو نفسه لأنه من شدة حرصه قد يوقع الهلاك بنفسه من حيث لا يشعر.
    مما تقدم نعلم أن الله سبحانه وتعلى فرض الزكاة لحماية المجتمع من عوامل التصدع والتفكك والدمار ،ولوقايته من الأمراض الخبيثة ،ولتطهير الأغنياء من داء الشح الجشع والبخل ، وتطهير قلوب الفقراء من داء الحقد والغل والحسد ،ولتزكية المال وتنميته بالبركة ،ولربط قلوب المسلمين أغنياء وفقراء بالمحبة والمودة والرحمة والإخاء حتى يصير المجتمع كالجسد الواحد ،ولذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فهي تطهر الأغنياء قبل الفقراء فالغني يطهر نفسه بالإعطاء ويطهر قلب أخيه الفقير بالعطاء .
    ولو نظرنا إلى الواقع التاريخي للأنظمة الاقتصادية القائمة لوجدنا أن النظام الرأسمالي في نشأته لازمته الأمراض الاجتماعية الخبيثة وهي البخل والشح والجشع وعدم المبالاة بحقوق الضعفاء والفقراء والأجراء وهذا الحرمان ترك آثارا سيئة في الوضع الاجتماعي لهؤلاء المحرومين .
    وجاءت الفكرة الشيوعية كوليد شرعي لمساوئ النظام الرأسمالي واعتمدت على استثمار الأحقاد التي ترسبت في قلوب الفقراء والأجراء بسبب الحرمان لتجعل من هذه الأحقاد بركانا يتفجر على الأغنياء ويقضي عليهم لتقيم نظاما على أنقاض النظام الرأسمالي الذي يقوم على نظام الملكية الفردية والنظام الجديد يحرم الإنسان من حق التملك واعتقد الإنسان برفع الظلم عنه . هذا تفكير بشري منحط ومتخلف ،لأنه اعتقد إن مجرد وجود الملكية في يد الفرد هي السبب في هذا الفساد الاجتماعي والظلم الواقع على الفقراء والأجراء ،ولم يعقل أن الملكية ما هي إلا إدارة في يد الإنسان قد تكون وسيلة للشر وقد تكون وسيلة للخير ،والإسلام عندما جاء إلى البشرية وجد نفس الصورة وجد أغنياء بخلاء مرابين يأكلون الربا أضعافا مضاعفة ووجد فقراء محرومين يدفنون أبناءهم أحياء من إملاق أو خشية الإملاق ،وجد هذه الصورة القاتمة في حياة الإنسان ولكنه لم يسلك طريق تفكير البشري المنحط بالتحريض وإيقاد نار الحقد في قلوب المساكين المحرومين وإنما اعتمد على تغير مفاهيم الناس التي كانوا عليها في الجاهلية وبعد حين صير الأغنياء خدما للفقراء يتسابقون في الكسب لسد حاجات الفقراء كسبا لمرضاة الله وطمعا في ثواب الآخرة ،وطهر النفوس والقلوب من الأحقاد والبخل وربطها برباط المحبة والمودة والرحمة ،ولو نظرنا إلى الأمراض الستة المتقدمة ولو نظرنا في خصائص النظامين المتناقضين الرأسمالي والشيوعي لوجدنا أن النظام الرأسمالي يختص بثلاثة أمراض الشح والجشع والبخل .وأن النظام الشيوعي يختص بثلاثة أمراض أيضا وهي الحقد والغل والحسد، ومدخل الدعوة إلى الشيوعية هو إثارة الأحقاد في نفوس المدعوين من الفقراء والأجراء والعمال والزراع ولو بإثارة مظالم وهمية ،وعند انفعالهم بمشار الظلم يتولى قيادتهم إلى التخريب والتدمير وهذه نتيجة ظاهرة في أساليب الدعاة إلى الشيوعية .
    قد يقول قائل أن نظام لاضمان الاجتماعي في الدول الحديثة يغني عن الزكاة ،هذا الكلام لا يقول به إلا جاهل بحقيقة الإسلام وحقيقة الواقع .
    إذا نظرنا إلى مجتمع كالمجتمع الفرنسي مثلا نجد عنده ضمانات مادية في حياته حتى المولود لا يولد إلا ويقرر له راتب حتى يبلغ والأم المرضعة يقرر لها راتب إذا لم يكن لها زوج والشيخ المتقاعد قد يقرر له راتب الذي لا يعمل يقرر له راتب ،وغير ذلك من الضمانات الاجتماعية في التعليم والعلاج ،هذه الضمانات تراها في رأي العين جيدة وممتازة ،ولكن عندما تنظر إلى المجتمع تجده مجتمع مفكك متقطع الوجدان العواطف الإنسانية والروابط الأخوية والروح الجماعية التي يتمتع بها المجتمع المسلم ،فكل فرد فيهم تحسب أنه يقاوم ظروف الحياة بمفرده وكل بيت منفرد في سروره وفرحته لا جوار ولا حوار ،والسبب في ذلك لأن الضمانات أقيمت على أسس مادية بحتة .بعكس فريضة الزكاة فهي عبادة مالية من الأفراد تعود إلى إخوانهم ويحسون بها الإحسان وهذا التكامل ماديا ومعنويا فيترك أثره في الوجدان والعاطفة الإنسانية وينتج عنه الترابط الأخوي في حياة الجماعة والأفراد .
    خلاصة القول في حكمة مشروعية الزكاة :
    هي أن الزكاة ركن الإسلام ،ومقوم أساسي في بناء المجتمع وهي أخت الصلاة ،فالصلاة تعطينا الفرد الصالح والزكاة تعطينا المجتمع الصالح وهي تطهر النفوس والقلوب من الأمراض الاجتماعية الخبيثة وتقي المجتمع من عوامل التخريب والدمار ،وتربطه برباط المحبة والمدة الصحة والأخاء ،حتى يصير المجتمع كالجسد الواحد .وهي فريضة دائمة لا تسقط بأية حال من الأحوال حتى لو لم يكن هناك فقراء .لأنها شرعت علاجا ووقاية للأغنياء من الأمرض قبل الفقراء ،والتزام المسلمين بأداء الزكاة يحول بينهم وبين الأفكار والمذاهب الهدامة التي تعتمد على الحقد والحسد .
    أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوظيفتهما صيانة البناء الاجتماعي وحمايته من عوامل التصدع سواء كان يترك ما هو واجب ،أو يفعل ما هو منكر ،فالذي يترك الواجب لابد من تنبيهه وإنذاره ثم إيقافه عند حده ،وكذلك الذي يريد أن يفعل المنكر ،فكل ما قويت حاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع كلم سلم البناء من التصدق وكلما ضعفت هذه الحاسة كلما تصدع البناء وقد يصل إلى درجة الانهيار إذا لم يتدارك .
    مسائل البحث
    يشتمل البحث على أربع مسائل رئيسية:
    المسألة الأولى :
    من هو صاحب الحق بالأصالة في جمع الزكاة وصرفها في مصرفها هي هو ولي المر سواء كان عادلا أو جائرا ،وسواء كان المال ظاهرا أو باطنا ،أم أن الحق لصحاب المال يخرج الزكاة ويقوم بتوزيعها ،وإذا كان الحق لولي الأمر فهل له التنازل عنه لأصحاب الأموال في الإخراج والتوزيع ،وكيف نعالج واقعنا المعاصر ،ذلك الواقع الذي لم تكن في الدولة الإسلامية تأخذ بالإسلام كنظام شامل وكامل لتنظيم الحياة مع أن أفراد الأمة تتوجه إلى الإسلام ويعملون على إقامة أركان الإسلام ومنها أداء فريضة الزكاة ،وظهرت جمعيات وهيئات وصناديق خيرية لجمع الزكاة من أصحاب الأموال لتقوم بتوزيعها على مصارفها .
    المسألة الثانية :
    كيف يتم التوفيق بين الضريبة التي تستغني عنها دولة من الدول في الواقع المعاصر وبين فريضة الزكاة التي أوجبها الله فأموال الأغنياء حقا للفقراء .
    المسألة الثالثة :
    هل من الضروري صرف الزكاة في جميع مصارفها الثمانية بحيث يعتمد التوزيع على صنف من الأصناف الثمانية أم أنه يمكن الاقتصار على بعض الأصناف بحسب ومقتضى الأحوال .
    المسألة الرابعة :
    معظم الأقطار الإسلامية يعين فيها مواطنون من غير المسلمين ،كيف نعامل هؤلاء في مقبل فريضة الزكاة على المسلمين هل نفرض عليهم الزكاة أو قدرا من المال يوازي ما يدفعه المسلم زكاة ؟
    المسالة الأولى :
    إن ولاية جمع الزكاة وصرفها في مصارفها حق مقرر بالأصالة لولي الأمر ،الإمام أو غيره، فإذا كان الإمام عادلا والمار ظاهرا فلا خلاف بين السلف والخلف في ولاية هذا الحق بل أجمع على ذلك الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون (3).
    وإذا كان الإمام جائرا أو المال باطنا ولم يطالب الإمام أصحاب الموال بالزكاة فللعلماء في ذلك اختلاف في تأثير ولاية الحق الثابت بالأصالة أو عدم تأثره ،وسوف نناقش هذا الخلاف ونرجح ما نراه راجحا
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الثلاثاء يناير 25, 2011 11:20 pm

    الأدلة :
    استدل القائلون بثبوت الحق لولي الأمر في جمع الزكاة وصرفها على مصارفها بالقرآن الكريم والسنة القولية والعملية وبإجماع الصحابة .
    القرآن الكريم قال الله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فذا أمر من الله وجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكل أمر موجه إلى أمته ما لم يدل دليل على خصوصيته وهنا لم يرد دليل على خصوصيته فيكون عاما يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من يقوم مقامه في تنفيذ شرع الله على عباده وهو ولي الأمر إماما أو غيره .
    واستدلوا أيضا بقوله تعالى : " والعاملين عليها " لأن هؤلاء العاملين يعينهم الإمام ،وأثبتت لهم القرآن حقا مقررا مما يدل على الالتزام بتعيين العاملين كنظام عام للدولة المسلمة لأنهم وسيلة لجمع الزكاة فيكون جمع الزكاة حق مقرر لولي الأمر وكلك صرفها .
    السنة القولية :
    استدلوا بحديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن قال له : " أعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم .واتق دعوة المظلوم فإنه ليست بينها وبين الله حجاب " ،وجه دلالة الحديث أن كلمة تؤخذ وترد لابد من آخذ وراد ،ولا يكون هذا الآخذ إلا ولي الأمر لأن معاذ بعث واليا من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم .
    وقال الشوكاني في نيل الأوطار استدل بهذا الحديث على أن الإمام هو الذي يتولى جمع الزكاة وصرفها إما بنفسها وإما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه كرها (4) .
    السنة العملية :
    واستدلوا بالسنة العملية وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم نصب سعاة لا حصر لهم من الصحابة ،وكذلك الخلفاء الراشدون ساروا على نهجه في تنصيب العاملين في جمع الزكاة فهذا دليل عملي على أن نظام جمع الزكاة وصرفها من نظام الدولة المسلمة ومسئوليتها في إقامة الأركان وتنظيم المجتمع ، وقتال أبي بكر لما فرض الزكاة يدل على أن الحق لولي الأمر ، وقال " والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ،والله لو منعوني عتاقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها (5) وهذا يؤكد عموم الآية " خذ من أموالهم صدقة " في الأخذ ليس خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلم ،وإنما عام لولي الأمر المسئول عن إقامة الدين ورعاية شؤون المسلمين .
    وجاء في أوجز المسالك إلى موطأ مالك : وأما السنة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث المصدقين إلى أحياء العرب والبلدان لأخذ الصدقات من الأنعام والمواشي في أماكنها ،وعلى ذلك فعل الأئمة من بعده من الخلفاء الراشدين (6) .
    وقد ذكر الدكتور القرضاوي في كتابه فقه الزكاة فتاوى بعدد كبير من الصحابة يقررون فيها أن الحق للإمام ،ومنها قول عمر بن الخطاب : ادفعوا صدقاتكم لمن ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها ثم قال القرضاوي : وبعد عرض فتاوي الصحابة نوقن أن الأصل في شريعة الإسلام أن تتولى الحكومة المسلمة أمر الزكاة فتجيبها من أربابها وتصرفها على مستحقها (7) .
    ومن الاستقراء لفتاوي الصحابة يدل ذلك الاستقراء على أن جميعهم يقررون ثبوت حق ولاية أخذ الزكاة وصرفها لولي الأمر فصار ذلك إجماعا منهم ولم يخالفهم في ذلك التابعون ولا الأئمة المجتهدون .
    ومما يؤكد حقيقة الإمام بولاية أمر الزكاة جمعا وصرفا أن الزكاة جزء من نظام الدولة المسلمة وتنظيم للمجتمع المسلم والنظام والتنظيم من أخص مسئوليات الدولة المسلمة التي ترعى شؤون المسلمين بمقتضى الأحكام الشرعية .
    الإمام الجائر :
    أما الإمام الجائر فإذا طالب بدفع الزكاة إليه فلا خلاف في وجوب دفعها إليه والمطالبة منه ترفع الخلاف في وجوب إعطائها إليه لأن المطالبة بمثابة حكم الحاكم في موطن الخلاف .
    وأما إذا لم يطالب بدفعها فللعلماء في ذلك آراء .
    ذهب فريق إلى دفعها له سواء كان جوره متعلق بأخذ الزكاة وصرفها أو في غيرها ،وذهب فريق إلى عدم الدفع للسلطان الجائر لأنه فقد شروط الإمام التي استحق بها الولاية ،وهؤلاء ينظرون إلى أن الجور مؤثر في العدل الذي يستحق به الولاية .
    أدلة الفريق الأول :
    1- روي عن أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أديت الزكاة إلى رسولك قد برئت منها إلى الله ورسله قال : " نعم " إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها " (Cool.
    2- روي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها " قال : يا رسول الله فما تأمرنا قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم " متفق عليه .
    3- روي عن وائل بن حجر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألون حقهم فقال : " اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " رواه مسلم والترمذي وصححه .
    قال الشوكاني الأحاديث المذكورة استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وأجزائها (9).
    واستدلوا أيضا بحديث روي عن جابر بن عتيك مرفوعا عن أبي داود بلفظ " سيأتيكم ركب مبغوض فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون ،فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليهم وارضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم " (10) .
    واستدلوا بفتاوى الصحابة روي عن ابن عمر وسعد ابن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي سعيد عن سعيد ابن منصور وابن أبي شيبة أن رجلا سألهم عن الدفع إلى السلطان فقالوا :ادفعها إلى السلطان وفي رواية أنه قال لهم :هذا السلطان يفعل ما ترون فادفع إليه زكاتي قالوا :نعم رواه البيهقي عنهم وعن غيرهم ،وروي عن أبي شيبة من طريق قزعة قال :قلت لابن عمر أن لي مالا فإلى من أدفع زكاته قال :ادفعها إلى هؤلاء القوم - يعني الأمراء - قلت :إذا يتخذون بها ثيابا وطيبا قال :وإن ، وفي رواية أنه قال :ادفعوا صدقة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها .
    هذه هي بعض أدلة الفريق الأول وهم الجمهور القائلون بدفع الزكاة للسلطان ولو كان جائرا .
    أدلة الفريق المانع دفع الزكاة لسلاطين الجور :
    استدل هذا الفريق بقوله تعالى : " ولا ينال عهدي الظالمين " وجه الدلالة أن سلاطين الجور ظلمة والله نزع عهده من الظالمين بالتالي لا ينال ولاية أخذ الزكاة وصرفها ،ورد عليهم الفريق الأول بأن الآية ليست في كل النزاع وعلى فرض أنها دليل في كل النزاع فقد خصصت بالأحاديث المذكورة .
    واستدلوا أيضا بما رواه أبي شيبة عن خزيمة قال :سألت ابن عمر عن الزكاة فقال :ادفعها إليهم ،ثم سألته بعد ذلك فقال :لا تدفعها فإنهم قد أضاعوا الصلاة (11) .
    ورد عليهم الجمهور بأن هذا قول صحابي لا حجة فيه ومع ذلك فهو ضعيف الإسناد لأنه من رواية جابر.
    موازنة بين أدلة الفريقين :
    الفريق الأول تمسك بالأصل المتفق عليه وهو أن أصل ولاية جمع الزكاة وصرفها ثبتت لولي الأمر وجوره لا يسلبه هذا الحق لأنهم قالوا لا يعزل ولا يجوز الخروج عليه إلا أن كفر كما ذكر صاحب إصاءة الدجنة حين قال :
    " ولا يجوز عزله إلا أن كفر ،وحافر البغي هوى فيما حفر " لأن عزله قد تترتب فتنة بين المسلمين تكون عاقبتها أعظم من ظلمه .
    والفريق الثاني يرى الجور يخل الولاية وهي العدل وبالتالي يسقط حقه في ولاية الزكاة جمعا وصرفا.
    ورأي الفريق الأول أرجح لأن أدلتهم من القرآن والسنة والإجماع واضحة الدلالة في الموضوع ،ولأن الزكاة من نظام الدولة وتنظيم المجتمع كما قلنا سابقا وما دام السلطان هو قائم على أمر الدولة ومسئول عن إقامة الدنيا فيها فلا يسقط حقه في ولاية الزكاة جمعا وصرفها ،ولا يسقط حقه في بقية أمور الدولة ،ولأن الفريق الثاني يوافق الجمهور في حالة مطالبة السلطان بالزكاة لأنهم لا يقولون بالامتناع فهذا دليل على اعترافهم بحقه .
    آراء بعض أئمة المذاهب :
    رأي المالكية جاء في المدونة الكبرى ،قال مالك :إذا كان الإمام يعدل لم يسع الرجل أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غيره ،ولكن يدفع زكاة الناضي للإمام ،وأما ما كان من الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك ،وسئل عن الخوارج يأخذون الصدقات والجزية ثم قتلوا هل تؤخذ الصدقات والجزية مرة ثانية فقال لا أرى ذلك تؤخذ منهم ثانية (12) .
    وقال الدرديري في الشرح الكبير على مختصر خليل:أن من دفعها لجائر معروف بالجور في صرفها وجار بالفعل لم يجر بأن دفعها لمستحقها أجزأت ،إما إذا كان عادلا في الأخذ والصرف وجائرا في غيرها فالدفع إليه واجب (13).
    يرى المالكية أنها تدفع للسلطان الجائر - إذا كان جوره لا يتعلق بالأخذ والصرف - أما إذا كان جوره يتعلق بالأخذ والصرف فلصاحب المال التهرب من الدفع إليه إذا كان ذلك ممكنا .
    رأي الحنفية :يرى الحنفية أن سلاطين الجور إذا أخذوا زكاة الأموال الظاهرة أو الخراج وصرفوها في محلها فلا إعادة على أربابها وإن لم يصرفوها في محلها المشروع فعلى أصحاب الأموال إعادة فيما بينهم وبين الله ،أما الخراج فلا إعادة له لأنهم مصارفه فهو حق المقاتلة ،وهم يقاتلون أهل الحرب ،واختلف في الأموال الباطنة فافتى بعضهم بعدم الإجزاء لأنه ليس للظالمين ولاية أخذ الزكاة وصرفها ولهذا لا يصح الدفع إليهم وأفتى بعضهم بالصحة (14) .
    رأي الحنابلة أن الخوارج والبغاة إذا أخذوا الزكاة أجزأ عن صاحبها وكذلك كل من أخذها من السلاطين أجزأ صاحبها سواء عدل فيها أو جار وسواء أخذها قهرا أو دفعها إلي اختيارا (15).
    خلاصة القول في هذه المسالة :
    إن ولاية أخذ الزكاة وصرفها من مصارفها حق ثابت بالأصالة لولي الأمر في الدولة المسلمة، فإن كان عادلا أجمع السلف والخلق على ثبوت هذه الولاية له. وإن كان جائرا وطالب بدفعها إليه فإن الجميع يتفقون على وجوب دفعها إليه ،وإن كان جائرا وجوره لا يتعلق بالأخذ والصرف فإنها تعطي إليه ،وإن كان جائرا وجوره يتعلق بالأخذ والصرف فلصاحب المال إن وجد حيلة للتهرب وصرفها بنفسه على المستحقين ،وأما من أكره فله أن يفعل .
    وإذا لم يكن بالبلاد ولي أمر أو كان كافرا أو كان مسلما ولكنه لا يسأل عن الزكاة فعلى الأفراد المسلمين أن يخرجوا زكاة أموالهم ويصرفوها في مصارفها كما يؤدون الصلاة ،ولا تسقط الزكاة بغياب ولي الأمر المسلم ولو أمرهم ولي الأمر بالترك .والزكاة لا تسقط أيضا بعدم وجود الفقراء لأنها شرعت علاجا للأغنياء قبل الفقراء ،والأغنياء يؤدون الزكاة لمعالجة نفوسهم من أمراض الشح والجشع والبخل فهي فريضة لائحة .
    تقسم الأموال إلى أمال ظاهرة وأموال باطنة :
    قسم الفقهاء الأموال إلى أموال ظاهرة وأموال باطنة ،وقالوا المال الظاهر هو المواشي وما أمبتت الأرض ،والمال الذي يمر به التاجر على العشار ،والمال الباطن هو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها (16) ،ورتبوا على هذا التقسيم إختلافهم في عموم ولاية ولي الأمر في أخذ الزكاة وصرفها.
    بعضهم يرى أن الولاية عامة لا فرق بين ظاهر وباطن ،وبعضهم يرى أن الولاية خاصة تكون ولاية الإمام على جمع الزكاة وصرفها خاصة بالأموال الظاهرة دون الأموال الباطنة .
    هذا التقسيم الذي بني عليه الخلاف لم يثبت بدليل لا من الكتاب ولا من السنة ،وإنما أخذوه من بعض مظاهر واقعية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهود الخلفاء الراشدين لأنهم تركوا أو فوضوا لأصحاب الأموال المسمى بالباطن أن يخرجوا زكاتهم ويصرفونها في مصارفها ،وهذا لا يصير دليلا على هذا التقسيم لأن ولي الأمر له الحق في تفويض أصحاب الأموال الظاهرة أن رأي ذلك بحسب الحاجة والظروف .
    لي ملاحظة في هذا المقام :
    هذه الملاحظة لم أجد أحدا تطرق لها في كتب الفقه التي اطلعت عليها ،والملاحظ محاولة للإجابة على سؤال يقول :لماذا اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بارسال السعاة إلى أصحاب الماشية في البادية ولم يفعل ذلك مع أهل الحضر والزروع .
    إن تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية يعتمد على أمرين ،إما وازع إيماني وإما وازع سلطاني ، ومن الدافع نعلم أن الوازع الإيماني غالبا ما يكون أقوى في أهل الحضر والقرى منه في أهل البادية من الأعراب ،وقد قال الله تعالى في الأعراب :" الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم " التوبة آية 97 .
    وروي عن الإمام مالك أنه قال :الأعرابي لا يؤم المسافرين ولا الحاضرين وإن كان اقرؤهم" وكذلك روي عن حميد بن عبد الرحمن أنه كره أن يؤم الأعرابي (17) .
    وسبب ضعف الإيمان عند أهل البادية :
    الوازع الإيماني ضعيف عند أهل البادية وخاصة فيما يتعلق بإنفاق المال في غير عادة الكرم، لأن الأعرابي البدوي يتعامل مع مال فيه حياة وروح بخلاف أهل الحضر فإنهم يتعاملون في مال النقدين والمحاصيل وهذا جماد لا روح فيه ،وارتباط الإنسان بالمال الذي فيه حياة أقوى من الذي ليس فيه حياة .ولذلك خص الله الأنعام بأوصاف السرور حيث قال لأهلها " والأنعام خلقها لكم في دفء ومنافع ومنها تأكلون ،ولكم فيها جمال حين تربحون وحين تسرحون " النحل آية 5-6 .
    هذه الأوصاف تختلج مع مشاعر الإنسان ولا يعلمها إلا من عاش في البادية وتعامل مع هذه الأنعام.
    ثم إن الأعرابي البدوي بعيد عن أماكن المواعظ اليومية والدروس العلمية وقد يكون مشغولا بماله عن تلاوة القرآن ومذاكرة العلم كل ذلك يسبب ضعف الوازع الإيماني فيه ،ذلك الوازع الذي يكون باعثا له على أداء الزكاة كما أنه قد يكون مشغولا غالبا برعاية ماله بحثا عن الكلأ والماء.
    ولذلك لابد من السعاة الذين يتابعونه ويأتون إليه لأخذ الزكاة منه. وهذا ما كان عليه الأعراب في صدر الإسلام ،كان الوازع الإيماني فيهم ضعيف والدليل على ذلك أن بعضهم امتنع عن أداء الزكاة لمجرد أنه علم بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ،ومنهم من برر امتناعه بأنها كانت شخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد توفى.
    الواقع عندما يؤكد هذه الملاحظة :
    نحن نشأنا في إقليم كردفان بالسودان وهو إقليم يجمع بين بادية الإبل وبادية البقر والقرى والحضر ،فالملاحظة أن القرى الذي يعتمدون على زراعة المحاصيل يهتمون اهتماما بالغا بإخراج الزكاة حتى من شدة المبالغة إنهم يزكون ما أخرجه الزرع ولو لم يبلغ المحصول مقدار النصاب الشرعي حتى ولو كان عشر صاع يخرجون العاشر ويسمونه حق الله ويسمونه أيضا الحرام لأن الله حرمه على صاحب المال.
    ولا يدخل الواحد منهم الزكاة في بيته لأنه يخشى من أن يناولها أحد أفراد الأسرة خطأ، وملتزمون بهذا الأداء حتى أيام المستعمر البغيض ،يؤدون هذه الزكاة في المحاصيل العشرين على حسب مذهب مالك.
    أما أهل البادية من الإبل والبقر فإنهم تاركون للزكاة حتى ولو كان الواحد منهم يصلي ويصوم ويحج ،وقد تجد الواحد منهم كريم ويصرف في الضيافة بسخاء لأنها عادة ،ولكن عندما نطلب منه إخراج الزكاة تجده يتصعب نفسيا قبول إخراجها ويصعب عليه أن يخرج بهيمة حية من أنعامه ليعطيها للفقراء مع أنه حال الكرم قد يذبح بهيمة أكبر من بهيمة الزكاة ولا يشعر بالصعوبة النفسية لأن العرف غلاب.
    ثم إن زكاة الماشية والزروع جمعها ورعايتها وحفظها مكلف فإذا تركت لأصحاب الماشية يتحملون ذلك مع شغلهم الشاغل بمواشيهم لزادهم ذلك كسلا وتهربا من الأمر وهو الزكاة.
    وهذه الملاحظة اقترح على الأمانة العامة للهيئة الشرعية العالمية الزكاة أن تقوم بدراستها بواسطة المختصين في مجال علم النفس وعلاقة الإنسان بالمال الظاهر أو الأنعام لعلهم يخرجون بنتائج تساعد على توسيع مدارك الفهم في مثل هذه الأمور الفقهية.
    مقارنة بين أهل الإبل وأهل بادية البقر ،الملاحظ في أهل البقر أن قلوبهم أرق ،وأنهم يحافظون على الصلاة والصيام أكثر من بادية الإبل ،وأنهم لا يعرفون النفاق وإنما يقولون ما في نفوسهم بصراحة ولا يعرفون الغدر والمكر ،أما أهل بادية الجمال فإن قلوبهم أشد غلظة، وأنهم يميلون إلى النفاق والمكر وعدم الصراحة بما في حقيقة نفوسهم .وفي ظني هذا يرجع إلى طبيعة الحيوان الذي يشربون منه اللبن الذي يعيشون عليه ،لأن الثور عندما يريد الانتقام لنفسه لا يعرف الغدر وإنما يواجه ،وأما الجمل عندما يريد الانتقام لنفسه لا يواجه وإنما يعتمد على الغدر والمكر ولو بصاحبه إذا ضربه ضربا شديدا وشعر بالامتضاض لا يواجه وإنما ينتظر الفرصة وفي نوم ضاربه يغدر به وهذا يحصل كثيرا في مستوى معينا من الجمال.
    ومما تقدم نقول أن تقسيم الأموال إلى ظاهرة وباطنه بالنسبة لثبوت ولاية ولي الأمر في أخذ الزكاة وصرفها لا يعتمد على دليل شرعي يخرج المال الباطن عن ولاية ولي الأمر ويؤكد هذا قول الإمام مالك :إذا كان الإمام يعدل لم يسع الرجل أن يفرق زكاة ماله الباطن ولا غير ذلك ولكن يدفع زكاة الباطن إلى الإمام وأما ما كان من الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك (18) .
    فالإمام مالك يرى أن المال الباطن صاحبه يذهب به إلى الإمام ،وأمواله التي تحتاج إلى تكلفة مثل المواشي والمحاصيل الزراعية فإن الإمام هو الذي يقوم بإرسال السعاة لأخذها من أصحابها.
    وخلاصة القول في هذه المسالة :أن ولاية ولي الأمر عامة في جميع أنواع الأموال الخاضعة للزكاة ،وتقسم الأموال إلى ظاهر وباطن لا يعتمد على سند شرعي يخرج ولاية ولي الأمر على المال الباطن وولايته على جميع الأموال كما بينه بالكتاب والسنة
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الثلاثاء يناير 25, 2011 11:26 pm

    هل لولي الأمر التنازل عن حقه في جمع الزكاة وصرفها ويترك ذلك لأصحب الأموال؟
    الواقع التاريخي في الإسلام يدل على أن لولي الأمر أن يفوض أصحاب الأموال في إخراج الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية متى ما علم أنهم يحرصون على الأداء والصرف على المستحقين ، هذا ما حصل في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه والذي حاول الفقهاء أن يتخذوه حجة في تقسيم الأموال إلى ظاهر وباطن . جاء في أوجز المسالك إلى موطأ مالك.
    " وأما الباطن الذي يكون في المصر فقال عامة مشايخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب بزكاته وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما طالبا ،وعثمان رضي الله عنه طالب زمانا ولما كثر أموال الناس ورأى أن في تتبعها حرجا على الأمة فوض الأداء إلى أرباب الأموال (19) .
    ونقل الدكتور القرضاوي كلاما للشيخ كمال الدين بن الهمام من علماء الحنفية قال : " إن ظاهر قوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة " يوجب حق أخذ الزكاة مطلقا للإمام - يعني الأموال الظاهرة والباطنة - وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان من بعده، فلما ولى عثمان وظهر تغير الناس كره أن يفتش السعاة على الناس مستور أموالهم ففوض الدفع إلى الملاك نيابة عنه ،ولم يختلف الصحابة عليه في ذلك ،وهذا لا يسقط طلب الإمام أصلا ،ولذا لو علم أن أهل بلد لا يؤدون زكاتهم طالبهم بها (20) .ونقل أيضا عن الكساني في البدائع قوله " كان يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى زمن عثمان رضي الله عنه فلما كثرت الأموال في زمانه رأى المصلحة في أن يفوض الأداء إلى أربابها بإجماع الصحابة ، فصار أرباب الأموال كالوكلاء عن الإمام ،ألا ترى أنه قال Sad من كان عليه دين فليؤده وليزك من ماله ) فهذا توكيل لأرباب الأموال بإخراج الزكاة فلا يبطل حق الإمام ،لهذا قال أصحابنا ،إن الإمام إذا علم من أهل بلد أنهم يتركون أداء الزكاة فإنه يطالبهم بها (21) .
    يقول الدكتور القرضاوي ومن هذا يثبت أن الأصل العم هو:
    أن الإمام هو الذي يجمع الزكوات من الأموال الظاهرة والأموال الباطنة وأنه لما صعب جمعها من الأموال الباطنة في عهد عثمان وكانت أموال بيت المال بكل أقسامه مكدسة فيه تركها لأربابها يؤدونها بالنيابة عنه فإذا أخلوا بواجب النيابة ولم يؤدوا حق الله في مالهم تولى الإمام الجمع بنفسه كما هو الأصل (22) .
    مما تقدم يتأكد لنا أن الإمام له حق التفويض لأرباب الأموال في إخراج الزكاة وصرفها في مصارفها بحسب ما يراه الإمام مصلحة عامة ،وخاصة في الأموال الباطنة ،وعليه واجب المراقبة والمتابعة حتى إذا رأى خللا في أداء أرباب الأموال تدخل ليتحمل مسئوليته بحكم الولاية الأصلية.
    وإذا جاز لولي الأمر أن يفوض أمر الزكاة للأفراد ضمن باب الأولى يجوز أن يفوض أمرها للجماعة في صورة مؤسسات أو هيئات أو جمعيات خيرية أو صناديق أو بيوت للزكاة بشرط أن تكون مسئولية الرقابة والمتابعة بحسن الأداء عليه ،وكذلك بشرط ألا تزيد مصاريف الإدارة على سهم العاملين عليها حتى لا تتعرض حقوق الآخرين بتضخم الإدارة والصرف عليها.
    وعلى هذا الأساس يمكننا أن نحل مشاكل واقعنا المعاصر في موضوع جمع الزكاة وصرفها على المستحقين ،والدولة يمكنها أن تأخذ ما يخص المصارف العامة مثل في سبيل الله - والمؤلفة قلوبهم إن كانت تعني بالإسلام دعوة وجهادا ،وإلا تركت كل الأمر لهذه الهيئات والجمعيات لأنها غالبا ما تكون قائمة على أساس الدعوة إلى الإسلام ورعاية شئون الضعفاء والمستضعفين في محل وجوب الزكاة أو في غيره من الأقطار الإسلامية أو الأقليات الإسلامية .وهذا لا يسقط حق الدولة الثابت لها بالأصالة .
    قانون الزكاة في السودان لعام 1983 لم يفرق الأموال الظاهرة والباطنة وإنما طلب من جميع أصحاب الأموال أن يدفعوا زكاتهم للدولة حتى زكاة المال المستفاد مثل الرواتب والأجور وبعض الأعمال التي يكسب منها الناس كسبا مؤقتا .
    المسألة الثانية : إلزامية الزكاة والضريبة وخاصة في الواقع المعاصر .
    بين الزكاة والضريبة تشابه ظاهري ولكن هناك فروقا جوهرية بين الزكاة والضريبة. أولا الضريبة كما عرفها علماء المالية: هي فريضة إلزامية يلتزم الممول بأدائها إلى الدولة تبعا لمقدرته على الدفع بغض النظر عن المنافع التي تعود عليه من وراء الخدمات التي تؤديها السلطات العامة وتستخدم حصيلتها في النفقات العامة من ناحية ،وتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الأغراض التي تنشرها الدولة من ناحية أخرى (23) .
    والزكاة هي إعطاء جزء من النصاب إلى فقير ونحوه غير متصف بمانع شرعي (24) .
    الفروق :
    1- الزكاة فريضة دائمة أوجبها الله على المسلم في ماله يؤديها حقا للآخرين سواء وجد السلطان أم لم يوجد والضريبة واجب طارئ تمليه الظروف المالية للدولة الإسلامية للقيام بمسؤولياتها الجهادية ورعاية المصلحة العامة للأمة إذا لم توجد موارد كافية ولها إسقاطها كليا أو جزئيا في أي وقت .
    2- الزكاة شرعت كمقوم أساسي لبناء المجتمع المسلم وحمايته من الأمراض الاجتماعية الخبيثة مثل البخل والشح والجشع والحقد والجسد والغل وتطهير المجتمع من هذه الأمراض ضروري في كل زمان ومكان. والضريبة ليست كذلك إنما توجد إذا وجدت الحاجة الطارئة لها ويمكن أن تزول بزوال الحاجة .
    3- الزكاة محددة المقادير بنصوص شرعية وكذلك محددة جهات الرصف لا تتعدها بخلاف الضريبة فإنها تحدد مقدارا أو صرفا بتقدير السلطة المقرر لها ،ويعتمد في تقديرها على المبادئ العامة وقواعد الفقه الكلية وليست لها جهات صرف تحدده ،ولا يحق للسلطان أن يسقط الزكاة كليا أو جزئيا.
    4- الزكاة يشترط في وجوبها الإسلام فلا تجب على غير المسلم والضريبة يمكن فرضها على المسلم وغيره.
    5- الزكاة يراعي فيها إشباع حاجة المحتاجين في مكان الوجوب،ويرى بعض الفقهاء عدم جواز نقلها إلى غيره إلا إذا لم يوجد المحتاجون أو كان المكان المنقولة إليه فيه من هو أكثر حاجة بخلاف الضريبة فإنها لا تتقيد بمثل هذه القيود.
    6- الزكاة عبادة مالية وهي أخت الصلاة تحتاج إلى النية في أدائها وفيها معاني روحية لا توجد في الضريبة ،والعبد في أداء الزكاة يلاحظ علاقته بالله قبل علاقته بالسلطان أكثر من علاقته بالله.
    مشروعية الضرائب :
    اتفقت كلمة فقهاء المذاهب الأربعة على جواز فرض الضرائب بشرط أن تكون عادلة وأن تكون الخزينة العامة في حاجة إليها لتصرف في مصالح المسلمين وحمايتهم وكثير منهم أفتى بالجواز ،وتجب إذا كانت للمحافظة على الدين أو النفس بل بعضهم قال حتى لو كان دفعها يحافظ على المال الأكثر يكون واجبا من باب المحافظة على المال الكثير بدفع القليل منه.
    والأصوليون وأصحاب قواعد الفقه الكلية يؤكدون هذا بقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبقاعدة المحافظة على الدين والنفس مقدمة على المحافظة على المال.
    يقول الإمام الغزالي في كتابه المستصفي في علم الأصول: " وإذا خلت الأيدي من الموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر وخيف من ذلك دخول العدو بلاد الإسلام أو ثورات الفتنة من قبل أهل الشر جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند ،لأنه نعلم إنه إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشارع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين ،وما يؤديه كل واحد منهم - أي الأغنياء - قليل بالإضافة إلى ما يخطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام أي بلاده من ذي شوكة أي حاكم قوي يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور (25) وأكد هذا القول في كتابه شفاء القليل في التعليل .
    ويقول الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام " إنا إذا قدرنا إماما مطاعا مفتقرا إلى تكثير الجند لسد حاجة الثغور وحماية الملك المتسع الأقطار وخلا بيت المال وارتفعت حاجة الجند إلى مال يكفيهم فللإمام إذا كان عادلا أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا لهم في الحال ،إلى أن يظهر مال في بيت المال ثم قال الشاطبي وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين يعني في عهود الإسلام السابقة لاتساع بيت المال في زمانهم بخلاف زماننا فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك بطلت شوكة الإمام وصارت ديارنا عرضة لاستيلاء الكفار ،وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام فالذين يفرون من الدواهي يعني الضرائب لو تنقطع عنهم الشوكة لحقهم من الأضرار ما يستحقرون بالإضافة إليها أموالهم كلها فضلا عن السير منها ،فإذا عورض العظيم بالضرر اللاحق بهم بأخذ البعض من أموالهم فلا يتمارى في ترجيح الثاني عن الأول (26).
    مبدأ مشروعية الضرائب للظروف الطارئة أو لحاجة الدولة للقيام بالمصلحة العامة مبدأ متفق عليه عند فقهاء المذاهب بقيود وشروط ذكروها منها عدالة الإمام فرض الضريبة بالقواعد الشرعية المرعية في رعاية المصالح المرسلة،ويؤكد الفقهاء في ذلك علم الأصول الضريبة بالقواعد الشرعية المرعية في رعاية المصالح المرسلة،ويؤكد الفقهاء في ذلك علم الأصول وعلماء قواعد الفقه الكلية.
    والزكاة تختلف عن الضريبة من حيث الموجب والمقادير وجهات الصرف والديمومة وأنها عبادة يؤديها الفرد ابتغاء مرضاة ربه سواء وجد السلطان أم لم يوجد. والضريبة لا تغني عن الزكاة في أية حال من الأحوال ،وقد أورد الدكتور يوسف القرضاوي عددا من الفتاوي لفقهاء متقدمين وفقهاء معاصرين كلها تجمع على عدم إغناء الضريبة عن الزكاة (27) .
    خلاصة القول في المسألة :أن الزكاة فريضة دائمة وعبادة قائمة لابد من إخراجها ولا يؤثر في وجوبها ومقدارها الضرائب أو أي مال يؤخذه السلطان للمصلحة العامة حتى لو كان ذلك المال الذي أخذه السلطان أخذه بغير حق كالمكس ،والضريبة العادلة حق مقرر في أموال الأغنياء للظروف الطارئة والمصلحة العامة واعتمد في مشروعيتها على المبادئ العامة والقواعد الفقهية في رعاية المصالح ودفع المفاسد ،والضريبة لا تغني عن الزكاة ، فالمال أوجب الله فيه حقوقا دائمة كالزكاة وحقوقا طارئة ،وهذه من خصائص الشريعة الإسلامية إنها دائم تجمع بين الثبات والمرونة في الأحكام ،فالزكاة من الأحكام الثابتة التي لا تتأثر بالزمان ولا المكان ،والضريبة من الأحكام المرنة التي تخضع لظروف الزمان والمكان.
    قانون الزكاة لسنة 1983 - 1984 بالسودان جمع بين فريضة الزكاة والضرائب والدولة أنشأت ديوانا باسم ديوان الزكاة والضرائب ،فيه قسم الزكاة وقسم الضرائب ،وبعد حكومة الانتقال فصل ديوان الزكاة عن ديوان الضرائب ثم ضم ديوان الزكاة أخيرا إلى وزارة الرعاية والشئون الاجتماعية والزكاة ،والقانون حاول أن يخفف في ضريبة الدخول الشخصية وذلك بخصم الزكاة من ضريبة الأرباح لأن الضريبة يدفعها المسلم وغيره .وأيضا القانون أعفا أصحاب الرواتب من بعض الضرائب لأنه فرض عليهم الزكاة بقاعدة تزكية المال المستفاد يزكي يوم قبضه فالرواتب والأجور والمكفاءات والجوائز كلها تخضع للزكاة .
    المسألة الثانية :
    المسألة تقول هل يجوز صرف الزكاة في صنف أو أكثر من مصارف الزكاة الثانية أم أنه لابد من تعميم الأصناف الثمانية التي ذكرها الله في القرآن الكريم بقوله: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية ؟
    للأئمة في هذه المسألة رأيان :
    ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى أنه يجوز للإمام أن يصرف الزكاة في صنف واحد أو أكثر من صنف واحد إذا رأى ذلك بحسب الحاجة (28) ،وذهب الإمام الشافعي إلى أنه لا يجوز ذلك بل لابد من صرفها على الأصناف الثمانية كما سمى الله تعالى(29).
    وذكر ابن رشد سبب الاختلاف فقال : سبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى ،فإن اللفظ يقتضي القسمة بينهم جميعا ،والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة إذا كان المقصود به سد الخلة فكان تعزيزهم فالآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس - أعني الصدقات لا تشريكهم في الصدقة ،فالأول أظهر من جهة اللفظ وهذا أظهر من جهة المعنى (30) .
    استدل القائلون بالجوار بالآتي :
    1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم " فأخبر مأمور برد ملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ، فهذا دليل على الجواز.
    2- أن الزكاة إذا جمعها الساعي وكانت قدر أتعابه يأخذها كلها ولا يجب صرفها إلى جميع الأصناف ،وكذلك إذا فرقها لمالك ،ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد ،والآية أريد بها بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم (31) .
    3- والسن العملية ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت يأتيه المال فيصرفه في صنف واحد مرة في الفقراء ومرة في المؤلفة قلوبهم (32) .
    4- قال بالجواز عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيدة وأصحاب الرأي (33) وهذه بعض الأدلة التي اعتمد عليها القائلون بالجواز .
    واستدل القائلون بعدم الجاز بالآتي :
    بما روي عن زياد بن الحارث الصدائي قال :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله لم يرض بحكم ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك " (34) رواه أبو داود .
    ذكر الشوكاني أن حديث زايد بن الحرث الصدائي في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد .
    موازنة بين أدلة الفريقين :
    إذا وازنا بين أدلة الفريق المجوز والفريق القائل بعدم الجواز نجد أن أدلة القائلين بالجواز أقوى لأن السنة القولية والعملية ومقاصد الشريعة تؤكد ما ذهبوا إليه ،والحديث الذي استدل به المانعون لا يدل صراحة على مدعاهم ثم إن مقاصد الشريعة تؤكد أن حكمة مشروعية الزكاة هي من الحاجة للمحتاجين وتقديم من هو في درجة الضرورة على الذي هو في درجة الحاجة،والآية تدل على أن مصاريف الزكاة محصورة في الأصناف الثمانية ،ولكنها لا تدل دلالة قاطعة على تعميم الزكاة على الأصناف الثمانية ،والقائلون بالجواز يقولون بأولية التعميم إن أمكن أو التعميم مستحب لأنه يخرج بذلك عن الخلاف يحصل أي جزاء يقينا(35).
    ومما تقدم نعلم أن الرأي الأرجح رأي القائلين بالجواز والإمام له أن يصرف الزكاة في صنف أو أكثر إن دعت الحاجة أو المصلحة إلى ذلك وهذا يتفق مع مقاصد الشرع ،والإمام عليه أن يراعي المصلحة وشدة الحاجة ويرتب الأولويات بحسب الظروف التي أمامه والوقت الذي هو فيه .
    والرأي عند معظم الفقهاء أن الأصناف الثمانية باقية ما بقي السلام على الأرض ،وبعضهم يرى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد انتهى ومنهم الإمام الشافعي وأبو حنفية وعلل ذلك بقوة الدولة الإسلامية التي صارت لا تحتاج إلى المؤلفة ،والإمام مالك يقول بهذا ،ولكنهم لا يقولون بسقوط الحكم بالنسخ بل ويعللون بأن مناط الحكم لم يوجد وبالتالي لا وجود للحكم بدون علته ومناطه ،مما يدل على أنهم لا يقولون بسقوط المؤلفة سقوطا دائما ولو تغيرت أحوال الدولة الإسلامية واحتاجت إلى التأليف لعاد الحكم.
    ويقول ابن رشد سبب اختلافهم هل تأليف المؤلفة خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ،أم أنه عام ولسائر الأم والأظهر أنه عام ،وهل يجوز ذلك للإمام في كل أحواله أو في حال دون حال أعني في حال الضعف في حال القوة وبذلك قال الإمام مالك لا حاجة إلى المؤلفة الآن لقوة الإسلام وهذا التفات منه إلى المصالح (36) .
    خلاصة القول في المسألة :
    إن ولي الأمر له أن يصرف الزكاة كلها في صنف واحد أو أكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو اقتضت المصلحة العامة ذلك ،والأفضل عند العلماء تعميم جميع الأصناف إن أمكن ،وإن حكم الأصناف الثمانية باق ما بقي الإسلام ،والصنف الذي لا يستوفي الشروط حول اسمه لأقرب مشابه له مثل سهم وفي الرقاب يمكن تحويله إلى وفي سبيل الله ويعطي للمجاهدين وخاصة الذين يقعون تحت سيطرة الكفار ،ويجاهدون لتحرير أنفسهم منهم ليتمكنوا من قامة شرع الله في حياتهم العامة الخاصة،ومثل سهم المؤلفة قلوبهم يمكن تحويله إلى أعمال الدعوة الإسلامية، أننا لو وجدنا حاكما أفريقيا غير مسلم يقف أمام حرية الدعوة فلو أعطيناه من سهم المؤلفة قلوبهم يفتح الطريق أمام الدعوة والدعاة ويمكن لهم من العمل في بلاده ويحميهم فإننا نفعل ذلك دون تردد .لأنه على الإسلام بخير .
    نحن في مجلس الإفتاء الشرعي بالسودان أفتينا بجواز صرف الزكاة على بعض المصارف إن دعت الحاجة أو اقتضت المصلحة ذلك بالشروط والقواعد المقررة شرعا في رعاية المصالح وتقديم الضروري على ما هو في درجة الحاجة .
    المسألة الرابعة :
    المسألة تقول :إن معظم الأقطار الإسلامية يعيش فيها مواطنون من غير المسلمين ،ويتمتعون حقوق المواطنة مثل المسلمين سواء بسواء.
    فكيف نعامل هؤلاء في مقابل معاملة المسلمين بأخذ الزكاة من أموالهم فهل يجوز لنا أن نفرض عليهم الزكاة أو مالا يعادل ما يخرجه المسلم زكاة ونطلق عليه أي اسم لأنهم لا يدفعون الجزية وصاروا يتحرجون ويستنكفون من إسم الجزية.
    الإجابة : أولا: إجماع علماء الإسلام سلفا وخلفا على عدم وجوب الزكاة على غير المسلم يقطع النظر عن الخلاف في مسألة هل الكفار مخاطبون فرع الشريعة أم لا ؟ لأن الزكاة ركن من أركان الدين والذي لم يدخل في الإسلام لا يحق لنا أن نكرهه على الدين والزكاة جزء من حقيقة الإسلام والإكراه على الجزء إكراه على الكل ،ثم إن الزكاة عبادة شرط صحتها الإسلام فمن لم يسلم لا تصح منه الزكاة ول دفعها بنية الزكاة .
    وقد جاء في بداية المجتهد لابن رشد " وأما أهل الذمة فإن الأكثر على أن الزكاة لا تجب على جميعهم إلا ما ورت طائفة من تضعيف الزكاة على نصارى بني تغلب .أعني أن يؤخذ منهم مثلما يؤخذ من المسلمين في كل شيء ،وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري وليس عن مالك في ذلك قول ،وإنما صار هؤلاء لهذا لأنه أثبت أنه فعل عمر بن الخطاب بهم كأنهم رأوا أن مثل هذا هو توقيف ولكن الأصول تعارضه (37)
    قال تعالى :" وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنا هباء منثورا " وقال :" مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء هو الضلال البعيد " إبراهيم 18 .
    وحديث معاذ عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الخ ". يدل على أن المطالبة بالفرائض في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام .
    ومما تقدم نعلم أن الزكاة لا تجب على غير المسلم وفعل عمر مع نصارى بني تغلب يدل على أن ولي الأمر له أن يتعامل مع غير المسلمين بحسب المصلحة التي تعود على الإسلام والمسلمين ،ويدل على أن مال الجزية يمكن تقييده بأي اسم ،وأن غير المسلمين لو جاءوا طوعا واختيارا وطلبوا أن يدفعوا مالا يساوي الزكاة أو يزيد عليها فلولي الأمر أن يوافق على ذلك بحسب الظروف والمصلحة العامة.
    وإذا كان غير المسلم لا تجيب عليه الزكاة فهل يجوز لنا أن نأخذ منه مقدار الزكاة ضريبة ؟
    لا مانع من ذلك ما دنا نعاملهم بغير الجزية وبحكم أنهم مواطنون يتمتعون بكل ما يتمتع به المسلمون من رعاية حماية في ظل الدولة الإسلامية ،يقول الدكتور القرضاوي " والذي يترآى لي بعد البحث :إنه لا مانع من أخذ الزكاة بوصفها ضريبة من غير المسلمين من أهل الذمة إذا رأى ذلك ألو الأمر".
    واستدل على ذلك بأمور:
    منها أن مراد العلماء بقولهم لا تجب الزكاة على غير المسلم هو الوجوب الديني الذي يتعلق به المطالبة في الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة أما الإيجاب السياسي الذي يقرره ولي الأمر بناء على اعتبار المصلحة التي يراها أهل الشورى فلم يرد ما يمنعه .
    ومنها أن أهل الذمة في ديار الإسلام كانوا يدفعون للدولة الإسلامية ضريبة مالية سماها القرآن " الجزية " مشاركة في النفقات العامة للدولة التي تقوم بحمايتهم والدفع عنهم وكفالة العيش لهم وتأمينهم ضد العجز والشيخوخة والفقر كالمسلمين كما رأينا ذلك غاليا في صنيع عمر مع الشيخ اليهودي الذي رآه يسأل على الأبواب ،والواقع الماثل الآن في البلاد الإسلامية أن أهل الكتاب لا يدفعون الجزية ويأنفون من هذا الآن فهل يمكن أن يدفعوا بدلا منها ضريبة على وفق مقادير الزكاة وإن لم تسمى باسمها ، ثم قال :" إن الذي رواه المؤرخون والمحدثون وفقهاء المال في الإسلام عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موقفه من نصارى بني تغلب يعطينا رخصة للنظر في هذا الأمر على ضوء الواقع والمصلحة العامة (38) .
    وقد قال الإمام الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري بما جاء عن عمر بن الخطاب فيما فعله مع نصارى بن تغلب فهم يجوزون فرض مقدار يساوي الزكاة أو يزيد عليها في أموال غير المسلمين بدلا عن الحرية "(39) .
    خلاصة القول في المسألة :أن الزكاة لا تجب في أموال غير المسلمين ،وإنه لا مانع من فرض مقدار من المال في أموال غير المسلمين يعادل ما يدفعه المسلم زكاة أو يزيد عليه ما داموا لا يرغبون في دفع الجزية وهذا المال يمكن أن يسمى بأي اسم يوافقون عليه ويوافق عليه ولي الأمر وهذا المال يشمل المواشي والزروع وأمال التجارة وكل مال تجب فيه على المسلم ،والسند في هذا الأمر ما ثبت من فعل عمر بن الخطاب مع نصارى بني تغلب ووافقه الصحابة وقال به الأئمة المجتهدون والقواعد الأصولية تؤكد ذلك.
    وفي الختام نقول أن الشريعة الإسلامية بأحكامها النصية ومبادئها العامة وقواعدها الأصولية لا تعجز عن حل أي مشكلة تعترض المسلمين ماداموا مسلمين حقا وصدقا ،لأن الشريعة الإسلامية من خصائصها التي تميزت بها عن التشريعات الأخرى سماوية أو وضعية أنها جمعت في أحكامها بين الثبات والمرونة لتكون صالحة لكل زمان ومكان ولا تتأخر عن حياة الإنسان.
    ما قلته في هذا البحث إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني.
    وفقنا الله لما فيه مرضاه .
    أ.د / يوسف حامد العالم باريس 7/9/88
    توفي رحمه الله بتاريخ 9/9/1988 في باريس
    عبدو عمر
    عبدو عمر


    عدد المساهمات : 15
    تاريخ التسجيل : 24/12/2010
    العمر : 39
    الموقع : كوستي

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف عبدو عمر الأربعاء يناير 26, 2011 12:18 am



    أخوتي الفاضل وبرقاوي ارجو أن تجدوا توضيح أكثر هنا
    وضع الفقهاء أسسًا لاختيار العاملين على الزكاة واشترطوا فيهم شروطًا، أهمها أن يتصف بالأمانة والعفة، فلا تمتد يده ولا عينه إلى شيء من مال الزكاة فإنها حق الفقراء والمساكين وسائر المحتاجين، وليس له منها إلا مقدار ما رصد له، وأن يتصف بالعدل فلا يحابي من يحب، ولا يحيف على من يكره، لا يدخله الرضا في باطل، ولا يخرجه الغضب عن الحق، ولا يكون همه محاباة الأغنياء أو إرضاء الفقراء، بل يجعل همه إرضاء الله تعالى.
    إليك تفصيل ذلك في فتوى الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله :فإن من حسن اختيار العاملين على جباية الزكاة مراعاة ما اشترطه الفقهاء في العامل: أن يكون مسلمًا كافيًا لعمله، عالمًا به، أمينًا فيه، وقد اهتم فقه السياسة الشرعية ببيان الشروط العامة لكل من يلي عملاً عامًا. وجماع هذه الشروط اثنان، وهما: القوة والأمانة. وإليهما الإشارة بما جاء في القرآن الكريم: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)(سورة القصص: 26)، وقد يعبر عن الأمانة بالحفظ، وعن القوة بالعلم كما في قوله تعالى على لسان يوسف : (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (سورة يوسف: 55). وعند المُفاضلة بين القوة والأمانة في الوظائف والأعمال، يرجح أهل القوة في شؤون الجهاد ونحوه، ويرجح أهل الأمانة في شؤون المال.
    إن العمل في الشؤون المالية مزلة قدم، لا يثبت فيها ضعفاء الأخلاق، ومهازيل الإيمان، الذين تزيغ أبصارهم عند أول بارقة من الدنيا، والذين يتبعون الهوى فيما يجمعون وفيما يصرفون. وهؤلاء يعطون صورة سيئة عن نظام الزكاة وعن الإسلام كله، وييئسون الجمهور - بسوء سلوكهم - من جدوى تطبيق أحكام الإسلام. لهذا ينبغي التدقيق والتحري في كل من يتولى أمر الزكاة تحصيلاً، أو توزيعًا أو إشرافًا، وخصوصًا في الجهاز المركزي لمؤسسة الزكاة؛ لأنه بمثابة القلب الذي إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله. وقد يساعد على تحقيق هذه الغاية قبول نسبة معينة في أجهزة الزكاة من المتطوعين المعروفين بقوة دينهم وحسن أخلاقهم، ممن يقومون بهذا العمل احتسابًا وطلبًا لما عند الله.
    إن الزكاة فريضة دينية، وينبغي لمن يعمل في جهازها أن يعتبر نفسه في عبادة أو في جهاد. وقد جاء عن النبي: "العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته" (رواه أحمد وأبو داود (2936) والترمذي وحسنه (645) وابن ماجة (1809) وابن خزيمة في صحيحه، وأخرجه الحاكم أيضًا جـ1 ص406 وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي). يجب أن يتصف بالعدل، فلا يحابي من يحب، ولا يحيف على من يكره، لا يدخله الرضا في باطل ولا يخرجه الغضب عن حق، ولا يكون همه محاباة الأغنياء، أو إرضاء الفقراء، بل يجعل كل همه إرضاء الله تبارك وتعالى. ومن الأمثلة الرفيعة على هذه الصفة الكريمة، ما رواه المحدثون والمؤرخون عن عبد الله بن رواحة الأنصاري - رضي الله عنه - حين بعثه النبي خارصًا لثمار خيبر، وكان النبي زارعهم عليها بنصف ثمرها. فلما أتاهم جمعوا له حُليًا من حُلي نسائهم، فأهدوها إليه - على طريقة اليهود في شراء الذمم بالمال حينًا، وبالشهوات حينًا آخر - ولكن ابن رواحة واجههم بما لم يكونوا يتوقعون وقال لهم في إيمان القوي، وقوة المؤمن: يا معشر اليهود، والله إنكم لأبغض خلق الله إليَّ، وما ذاك بحاملي أن أحيف عليكم، وأما ما عرضتم عليَّ من الرشوة، فإنها سُحت، وإنا لا نأكلها، ثم خرَّص عليهم، ثم خيرهم أن يأخذوها أو يأخذها هو، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض!. وفي رواية أنه قال لهم: والله ما أعلم في خلق الله أحدًا أعظم مرية، وأعدى لرسول الله منكم، والله ما خلق الله أحدًا أبغض إلي منكم، والله ما يحملني ذلك على أن أحيف عليكم قدر مثقال ذرَّة، وأنا أعلمها!. وبعد هذه الكلمات المُضيئة خرَّص ابن رواحة الثمار جميعًا: الذي للمسلمين والذي لليهود، ثمانين ألف وسق، فقال اليهود: حربتنا - أو أكثرت علينا - فقال ابن رواحة: إن شئتم فأعطونا أربعين ألف وسق، ونخرج عنكم، وإن شئتم أعطيناكم أربعين ألف وسق وتخرجون عنا، فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض ! وبهذا يغلبونكم.
    ويجب على موظف الزكاة أن يكون عفيفًا، لا تمتد يده ولا عينه إلى شيء من مال الزكاة، فإنها حق الفقراء والمساكين وسائر المستحقين، وليس له منها إلا مقدار ما رُصد له، جزاء على عمله، فمن سال لعابه بعد ذلك إلى شئ ما من مال الزكاة فأخذه، فقد أكل حق الفقراء والمحتاجين، بل أكل في بطنه نارًا.
    لقد شدَّد النبي غاية التشديد في الحرص على مال الزكاة وأنذر العاملين عليها بأشد العذاب إذا هم تهاونوا في ذلك، فاستحلوا لأنفسهم أخذ شئ مما جمعوه. فعن عدي بن عُميرة قال: سمعت رسول الله يقول: "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مَخيطًا - إبره خيط - فما فوقه كان غلولاً - خيانة - يأتي به يوم القيامة" (رواه مسلم وأبو داود وغيرهما - الترغيب للمنذري كتاب الصدقات - باب الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى). وعن عبادة بن الصامت: أنه بعثه على الصدقة، فقال : يا أبا الوليد، اتق الله، لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثغاء" قال: يا رسول الله، إن ذلك لكذلك؟! قال: "إي والذي نفسي بيده". قال: فوالذي بعثك بالحق، لا أعمل لك شيئًا أبدًا (رواه الطبراني في الكبير وإسناده صحيح كما قال المنذري - المصدر السابق. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد - 86/3 رجاله رجال الصحيح).
    لقد أعلن ذلك "عبادة " خشية على نفسه ودينه أن يمسه شرر هذا الوعيد وهو لا يشعر، وهو من هو في المسلمين. حتى الهدية لم يجزها النبي للعاملين على الزكاة؛ لأنها كثيرًا ما تكون رشوة مقنعة، ولهذا أنكر النبي إنكارًا شديدًا على أحد عمال الزكاة حين احتجز بعض ما جاء به وقال: هذا هدية أهديت إليَّ. فخطب في ذلك، وكان مما قاله: "أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا؟! والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه، إلا لقى الله يحمله يوم القيامة" (الشيخان وأبو داود).
    ومن هنا نصح الإمام أبو يوسف أمير المؤمنين هارون الرشيد أن يجتهد في حسن اختيار العاملين على الصدقات، فقال في كتابه (الخراج): "ومر يا أمير المؤمنين باختيار رجل أمين عفيف ناصح مأمون عليك وعلى رعيتك، فوله جميع الصدقات في البلدان، ومُرْهُ فليوجه فيها أقوامًا يرتضيهم ويسأل عن مذاهبهم وطرائقهم وأماناتهم يجمعون إليه صدقات البلدان، فإذا جمعت إليه أمرته فيها بما أمر الله جل ثناؤه به فأنفذه ولا تولها عمال الخراج. فإن مال الصدقة لا ينبغي أن يدخل في مال الخراج، وقد بلغني أن عمال الخراج يبعثون رجالاً من قبلهم في الصدقات يظلمون ويعسفون ويأتون ما لا يحل ولا يسع، وإنما ينبغي أن يتخير للصدقة أهل العفاف والصلاح، فإذا وليتها رجلاً ووجه من قبله من يوثق بدينه وأمانته، أجريت عليهم من الرزق بقدر ما ترى، ولا تجري عليهم ما يستغرق أكثر الصدقة. ولا ينبغي أن يجمع مال الخراج إلى مال الصدقات والعشور ؛ لأن الخراج فئ لجميع المسلمين، والصدقات لمن سمى الله عز وجل في كتابه" (الخراج لأبي يوسف ص80. ط. السلفية).
    ومما قاله أيضًا:. "فمر يا أمير المؤمنين العاملين عليها بأخذ الحق، وإعطائه من وجب له وعليه، والعمل في ذلك بما سنه رسول الله، ثم الخلفاء من بعده. واعلم أنه من سن سنة حسنة، كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها، من غير أن ينتقص من أجورهم شئ، ومن سن سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينتقص من أوزارهم شئ". (نفسه ص76).
    والله أعلم . المصدر إسلام اون لاين
    الفاضل الصليحابى
    الفاضل الصليحابى


    عدد المساهمات : 735
    تاريخ التسجيل : 02/07/2010
    الموقع : بورتسودان

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف الفاضل الصليحابى السبت يناير 29, 2011 1:40 am

    شكرا اخى عبدو على هذا المجهود العلمى ونسال الله ان ينفعنا به وينفع غيرنا وكدى عرفت موقف الجماعه ديل
    ربنا يجعله فى ميزان حسناتك
    العميد
    العميد


    عدد المساهمات : 215
    تاريخ التسجيل : 04/08/2010
    الموقع : المملكة المتحدة

    إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر Empty رد: إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر

    مُساهمة من طرف العميد الثلاثاء فبراير 08, 2011 12:33 am

    عبدو عمر كتب:
    بحث
    الدكتور / يوسف حامد العالم
    رحمه الله
    بحث في إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر
    والمسائل المترتبة على ذلك
    تمهيد :
    يشتمل التمهيد على تعريف الزكاة لغة واصطلاحا ،وأدلة وجوبها ،وحكمة مشروعيتها :
    1- الزكاة في اللغة النماء يقال زكاة الزرع إذا نما وترد أيضا بمعنى التطهير ،وترد شعرا بالاعتبارين معا ،أما الأول فلأن إخراجها لسبب النماء في المال ،أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة والمواشي ،ودليل الأول قوله صلى الله عليه وسلم " ما نقص مال من صدقة " لأنها يضاعف ثوابها كما جاء " إن الله تعالى يربي الصدقة " وأما دليل الثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وطهرة من الذنوب (1) . وعرفها صاحب العزية من علماء المالكية : بأنها مال مخصوص يؤخذ من مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا بشروط يصرف في جهات مخصوصة .
    يصرف في جهات مخصوصة .
    ومما تقدم نعلم أن الزكاة حق مالي أوجبه الله عز وجل في مال الأغنياء لسد حاجات المحتاجين من الفقراء والمساكين دعما لبناء المجتمع وحمياته الدين .
    2- أدلة وجوب الزكاة :
    الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة والواجب هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه . أجمع علماء الإسلام على أن الزكاة تجب على المسلم البالغ الحر المالك للنصاب بالشروط المعروفة والمقررة في كتب الفقه ،ووجوب الزكاة معلوم من الدين بالضرورة لأنها ركن من أركان الإسلام وتناقلته الأجيال جيب بعد جيل إلى يومنا هذا ،ودل على وجنوبها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول .
    .
    في اخراج الذكاة والصدقة والانفاق في سبيل الله جملة فوائد لذلك أمرت بها كثير من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية فخصت الذكاه وعمت الصدقة
    ففيها تطهير للنفوس من البغض والحسد وتقوية للمجتمع تكافلا ومودة وتعاضا ، وذيادة البركة وسعة الرزق والوقاية من النار، وكسب رضاء الله ...الخ
    قوله تعالي:

    (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )البقرة277 .

    ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ) آل عمران )92.

    (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )البقرة247.( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سـبأ39 .(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) البقرة245 . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أنفق ياابن آدم ينفق عليك ) وقال:(ما نقصت صدقة من مال ) وقال:(صدقة السر تطفئ غضب الرب )وقال: ( الصوم جنة والصدقة تطفئى الخطيئة كمايطفئى الماء النار) وقال:(يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة ) وقال:( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) .اللهم اجعلنا من المزكين المتصدقين يارب العالمين . الاخ عبده بارك فيك وبمجهودك واثقل به ميزان حسناتك
    .

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:58 pm