هل لولي الأمر التنازل عن حقه في جمع الزكاة وصرفها ويترك ذلك لأصحب الأموال؟
الواقع التاريخي في الإسلام يدل على أن لولي الأمر أن يفوض أصحاب الأموال في إخراج الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية متى ما علم أنهم يحرصون على الأداء والصرف على المستحقين ، هذا ما حصل في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه والذي حاول الفقهاء أن يتخذوه حجة في تقسيم الأموال إلى ظاهر وباطن . جاء في أوجز المسالك إلى موطأ مالك.
" وأما الباطن الذي يكون في المصر فقال عامة مشايخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب بزكاته وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما طالبا ،وعثمان رضي الله عنه طالب زمانا ولما كثر أموال الناس ورأى أن في تتبعها حرجا على الأمة فوض الأداء إلى أرباب الأموال (19) .
ونقل الدكتور القرضاوي كلاما للشيخ كمال الدين بن الهمام من علماء الحنفية قال : " إن ظاهر قوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة " يوجب حق أخذ الزكاة مطلقا للإمام - يعني الأموال الظاهرة والباطنة - وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان من بعده، فلما ولى عثمان وظهر تغير الناس كره أن يفتش السعاة على الناس مستور أموالهم ففوض الدفع إلى الملاك نيابة عنه ،ولم يختلف الصحابة عليه في ذلك ،وهذا لا يسقط طلب الإمام أصلا ،ولذا لو علم أن أهل بلد لا يؤدون زكاتهم طالبهم بها (20) .ونقل أيضا عن الكساني في البدائع قوله " كان يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى زمن عثمان رضي الله عنه فلما كثرت الأموال في زمانه رأى المصلحة في أن يفوض الأداء إلى أربابها بإجماع الصحابة ، فصار أرباب الأموال كالوكلاء عن الإمام ،ألا ترى أنه قال
من كان عليه دين فليؤده وليزك من ماله ) فهذا توكيل لأرباب الأموال بإخراج الزكاة فلا يبطل حق الإمام ،لهذا قال أصحابنا ،إن الإمام إذا علم من أهل بلد أنهم يتركون أداء الزكاة فإنه يطالبهم بها (21) .
يقول الدكتور القرضاوي ومن هذا يثبت أن الأصل العم هو:
أن الإمام هو الذي يجمع الزكوات من الأموال الظاهرة والأموال الباطنة وأنه لما صعب جمعها من الأموال الباطنة في عهد عثمان وكانت أموال بيت المال بكل أقسامه مكدسة فيه تركها لأربابها يؤدونها بالنيابة عنه فإذا أخلوا بواجب النيابة ولم يؤدوا حق الله في مالهم تولى الإمام الجمع بنفسه كما هو الأصل (22) .
مما تقدم يتأكد لنا أن الإمام له حق التفويض لأرباب الأموال في إخراج الزكاة وصرفها في مصارفها بحسب ما يراه الإمام مصلحة عامة ،وخاصة في الأموال الباطنة ،وعليه واجب المراقبة والمتابعة حتى إذا رأى خللا في أداء أرباب الأموال تدخل ليتحمل مسئوليته بحكم الولاية الأصلية.
وإذا جاز لولي الأمر أن يفوض أمر الزكاة للأفراد ضمن باب الأولى يجوز أن يفوض أمرها للجماعة في صورة مؤسسات أو هيئات أو جمعيات خيرية أو صناديق أو بيوت للزكاة بشرط أن تكون مسئولية الرقابة والمتابعة بحسن الأداء عليه ،وكذلك بشرط ألا تزيد مصاريف الإدارة على سهم العاملين عليها حتى لا تتعرض حقوق الآخرين بتضخم الإدارة والصرف عليها.
وعلى هذا الأساس يمكننا أن نحل مشاكل واقعنا المعاصر في موضوع جمع الزكاة وصرفها على المستحقين ،والدولة يمكنها أن تأخذ ما يخص المصارف العامة مثل في سبيل الله - والمؤلفة قلوبهم إن كانت تعني بالإسلام دعوة وجهادا ،وإلا تركت كل الأمر لهذه الهيئات والجمعيات لأنها غالبا ما تكون قائمة على أساس الدعوة إلى الإسلام ورعاية شئون الضعفاء والمستضعفين في محل وجوب الزكاة أو في غيره من الأقطار الإسلامية أو الأقليات الإسلامية .وهذا لا يسقط حق الدولة الثابت لها بالأصالة .
قانون الزكاة في السودان لعام 1983 لم يفرق الأموال الظاهرة والباطنة وإنما طلب من جميع أصحاب الأموال أن يدفعوا زكاتهم للدولة حتى زكاة المال المستفاد مثل الرواتب والأجور وبعض الأعمال التي يكسب منها الناس كسبا مؤقتا .
المسألة الثانية : إلزامية الزكاة والضريبة وخاصة في الواقع المعاصر .
بين الزكاة والضريبة تشابه ظاهري ولكن هناك فروقا جوهرية بين الزكاة والضريبة. أولا الضريبة كما عرفها علماء المالية: هي فريضة إلزامية يلتزم الممول بأدائها إلى الدولة تبعا لمقدرته على الدفع بغض النظر عن المنافع التي تعود عليه من وراء الخدمات التي تؤديها السلطات العامة وتستخدم حصيلتها في النفقات العامة من ناحية ،وتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الأغراض التي تنشرها الدولة من ناحية أخرى (23) .
والزكاة هي إعطاء جزء من النصاب إلى فقير ونحوه غير متصف بمانع شرعي (24) .
الفروق :
1- الزكاة فريضة دائمة أوجبها الله على المسلم في ماله يؤديها حقا للآخرين سواء وجد السلطان أم لم يوجد والضريبة واجب طارئ تمليه الظروف المالية للدولة الإسلامية للقيام بمسؤولياتها الجهادية ورعاية المصلحة العامة للأمة إذا لم توجد موارد كافية ولها إسقاطها كليا أو جزئيا في أي وقت .
2- الزكاة شرعت كمقوم أساسي لبناء المجتمع المسلم وحمايته من الأمراض الاجتماعية الخبيثة مثل البخل والشح والجشع والحقد والجسد والغل وتطهير المجتمع من هذه الأمراض ضروري في كل زمان ومكان. والضريبة ليست كذلك إنما توجد إذا وجدت الحاجة الطارئة لها ويمكن أن تزول بزوال الحاجة .
3- الزكاة محددة المقادير بنصوص شرعية وكذلك محددة جهات الرصف لا تتعدها بخلاف الضريبة فإنها تحدد مقدارا أو صرفا بتقدير السلطة المقرر لها ،ويعتمد في تقديرها على المبادئ العامة وقواعد الفقه الكلية وليست لها جهات صرف تحدده ،ولا يحق للسلطان أن يسقط الزكاة كليا أو جزئيا.
4- الزكاة يشترط في وجوبها الإسلام فلا تجب على غير المسلم والضريبة يمكن فرضها على المسلم وغيره.
5- الزكاة يراعي فيها إشباع حاجة المحتاجين في مكان الوجوب،ويرى بعض الفقهاء عدم جواز نقلها إلى غيره إلا إذا لم يوجد المحتاجون أو كان المكان المنقولة إليه فيه من هو أكثر حاجة بخلاف الضريبة فإنها لا تتقيد بمثل هذه القيود.
6- الزكاة عبادة مالية وهي أخت الصلاة تحتاج إلى النية في أدائها وفيها معاني روحية لا توجد في الضريبة ،والعبد في أداء الزكاة يلاحظ علاقته بالله قبل علاقته بالسلطان أكثر من علاقته بالله.
مشروعية الضرائب :
اتفقت كلمة فقهاء المذاهب الأربعة على جواز فرض الضرائب بشرط أن تكون عادلة وأن تكون الخزينة العامة في حاجة إليها لتصرف في مصالح المسلمين وحمايتهم وكثير منهم أفتى بالجواز ،وتجب إذا كانت للمحافظة على الدين أو النفس بل بعضهم قال حتى لو كان دفعها يحافظ على المال الأكثر يكون واجبا من باب المحافظة على المال الكثير بدفع القليل منه.
والأصوليون وأصحاب قواعد الفقه الكلية يؤكدون هذا بقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبقاعدة المحافظة على الدين والنفس مقدمة على المحافظة على المال.
يقول الإمام الغزالي في كتابه المستصفي في علم الأصول: " وإذا خلت الأيدي من الموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر وخيف من ذلك دخول العدو بلاد الإسلام أو ثورات الفتنة من قبل أهل الشر جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند ،لأنه نعلم إنه إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشارع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين ،وما يؤديه كل واحد منهم - أي الأغنياء - قليل بالإضافة إلى ما يخطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام أي بلاده من ذي شوكة أي حاكم قوي يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور (25) وأكد هذا القول في كتابه شفاء القليل في التعليل .
ويقول الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام " إنا إذا قدرنا إماما مطاعا مفتقرا إلى تكثير الجند لسد حاجة الثغور وحماية الملك المتسع الأقطار وخلا بيت المال وارتفعت حاجة الجند إلى مال يكفيهم فللإمام إذا كان عادلا أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا لهم في الحال ،إلى أن يظهر مال في بيت المال ثم قال الشاطبي وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين يعني في عهود الإسلام السابقة لاتساع بيت المال في زمانهم بخلاف زماننا فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك بطلت شوكة الإمام وصارت ديارنا عرضة لاستيلاء الكفار ،وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام فالذين يفرون من الدواهي يعني الضرائب لو تنقطع عنهم الشوكة لحقهم من الأضرار ما يستحقرون بالإضافة إليها أموالهم كلها فضلا عن السير منها ،فإذا عورض العظيم بالضرر اللاحق بهم بأخذ البعض من أموالهم فلا يتمارى في ترجيح الثاني عن الأول (26).
مبدأ مشروعية الضرائب للظروف الطارئة أو لحاجة الدولة للقيام بالمصلحة العامة مبدأ متفق عليه عند فقهاء المذاهب بقيود وشروط ذكروها منها عدالة الإمام فرض الضريبة بالقواعد الشرعية المرعية في رعاية المصالح المرسلة،ويؤكد الفقهاء في ذلك علم الأصول الضريبة بالقواعد الشرعية المرعية في رعاية المصالح المرسلة،ويؤكد الفقهاء في ذلك علم الأصول وعلماء قواعد الفقه الكلية.
والزكاة تختلف عن الضريبة من حيث الموجب والمقادير وجهات الصرف والديمومة وأنها عبادة يؤديها الفرد ابتغاء مرضاة ربه سواء وجد السلطان أم لم يوجد. والضريبة لا تغني عن الزكاة في أية حال من الأحوال ،وقد أورد الدكتور يوسف القرضاوي عددا من الفتاوي لفقهاء متقدمين وفقهاء معاصرين كلها تجمع على عدم إغناء الضريبة عن الزكاة (27) .
خلاصة القول في المسألة :أن الزكاة فريضة دائمة وعبادة قائمة لابد من إخراجها ولا يؤثر في وجوبها ومقدارها الضرائب أو أي مال يؤخذه السلطان للمصلحة العامة حتى لو كان ذلك المال الذي أخذه السلطان أخذه بغير حق كالمكس ،والضريبة العادلة حق مقرر في أموال الأغنياء للظروف الطارئة والمصلحة العامة واعتمد في مشروعيتها على المبادئ العامة والقواعد الفقهية في رعاية المصالح ودفع المفاسد ،والضريبة لا تغني عن الزكاة ، فالمال أوجب الله فيه حقوقا دائمة كالزكاة وحقوقا طارئة ،وهذه من خصائص الشريعة الإسلامية إنها دائم تجمع بين الثبات والمرونة في الأحكام ،فالزكاة من الأحكام الثابتة التي لا تتأثر بالزمان ولا المكان ،والضريبة من الأحكام المرنة التي تخضع لظروف الزمان والمكان.
قانون الزكاة لسنة 1983 - 1984 بالسودان جمع بين فريضة الزكاة والضرائب والدولة أنشأت ديوانا باسم ديوان الزكاة والضرائب ،فيه قسم الزكاة وقسم الضرائب ،وبعد حكومة الانتقال فصل ديوان الزكاة عن ديوان الضرائب ثم ضم ديوان الزكاة أخيرا إلى وزارة الرعاية والشئون الاجتماعية والزكاة ،والقانون حاول أن يخفف في ضريبة الدخول الشخصية وذلك بخصم الزكاة من ضريبة الأرباح لأن الضريبة يدفعها المسلم وغيره .وأيضا القانون أعفا أصحاب الرواتب من بعض الضرائب لأنه فرض عليهم الزكاة بقاعدة تزكية المال المستفاد يزكي يوم قبضه فالرواتب والأجور والمكفاءات والجوائز كلها تخضع للزكاة .
المسألة الثانية :
المسألة تقول هل يجوز صرف الزكاة في صنف أو أكثر من مصارف الزكاة الثانية أم أنه لابد من تعميم الأصناف الثمانية التي ذكرها الله في القرآن الكريم بقوله: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية ؟
للأئمة في هذه المسألة رأيان :
ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى أنه يجوز للإمام أن يصرف الزكاة في صنف واحد أو أكثر من صنف واحد إذا رأى ذلك بحسب الحاجة (28) ،وذهب الإمام الشافعي إلى أنه لا يجوز ذلك بل لابد من صرفها على الأصناف الثمانية كما سمى الله تعالى(29).
وذكر ابن رشد سبب الاختلاف فقال : سبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى ،فإن اللفظ يقتضي القسمة بينهم جميعا ،والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة إذا كان المقصود به سد الخلة فكان تعزيزهم فالآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس - أعني الصدقات لا تشريكهم في الصدقة ،فالأول أظهر من جهة اللفظ وهذا أظهر من جهة المعنى (30) .
استدل القائلون بالجوار بالآتي :
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم " فأخبر مأمور برد ملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ، فهذا دليل على الجواز.
2- أن الزكاة إذا جمعها الساعي وكانت قدر أتعابه يأخذها كلها ولا يجب صرفها إلى جميع الأصناف ،وكذلك إذا فرقها لمالك ،ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد ،والآية أريد بها بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم (31) .
3- والسن العملية ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت يأتيه المال فيصرفه في صنف واحد مرة في الفقراء ومرة في المؤلفة قلوبهم (32) .
4- قال بالجواز عمر بن الخطاب وحذيفة وابن عباس وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيدة وأصحاب الرأي (33) وهذه بعض الأدلة التي اعتمد عليها القائلون بالجواز .
واستدل القائلون بعدم الجاز بالآتي :
بما روي عن زياد بن الحارث الصدائي قال :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله لم يرض بحكم ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك " (34) رواه أبو داود .
ذكر الشوكاني أن حديث زايد بن الحرث الصدائي في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد .
موازنة بين أدلة الفريقين :
إذا وازنا بين أدلة الفريق المجوز والفريق القائل بعدم الجواز نجد أن أدلة القائلين بالجواز أقوى لأن السنة القولية والعملية ومقاصد الشريعة تؤكد ما ذهبوا إليه ،والحديث الذي استدل به المانعون لا يدل صراحة على مدعاهم ثم إن مقاصد الشريعة تؤكد أن حكمة مشروعية الزكاة هي من الحاجة للمحتاجين وتقديم من هو في درجة الضرورة على الذي هو في درجة الحاجة،والآية تدل على أن مصاريف الزكاة محصورة في الأصناف الثمانية ،ولكنها لا تدل دلالة قاطعة على تعميم الزكاة على الأصناف الثمانية ،والقائلون بالجواز يقولون بأولية التعميم إن أمكن أو التعميم مستحب لأنه يخرج بذلك عن الخلاف يحصل أي جزاء يقينا(35).
ومما تقدم نعلم أن الرأي الأرجح رأي القائلين بالجواز والإمام له أن يصرف الزكاة في صنف أو أكثر إن دعت الحاجة أو المصلحة إلى ذلك وهذا يتفق مع مقاصد الشرع ،والإمام عليه أن يراعي المصلحة وشدة الحاجة ويرتب الأولويات بحسب الظروف التي أمامه والوقت الذي هو فيه .
والرأي عند معظم الفقهاء أن الأصناف الثمانية باقية ما بقي السلام على الأرض ،وبعضهم يرى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد انتهى ومنهم الإمام الشافعي وأبو حنفية وعلل ذلك بقوة الدولة الإسلامية التي صارت لا تحتاج إلى المؤلفة ،والإمام مالك يقول بهذا ،ولكنهم لا يقولون بسقوط الحكم بالنسخ بل ويعللون بأن مناط الحكم لم يوجد وبالتالي لا وجود للحكم بدون علته ومناطه ،مما يدل على أنهم لا يقولون بسقوط المؤلفة سقوطا دائما ولو تغيرت أحوال الدولة الإسلامية واحتاجت إلى التأليف لعاد الحكم.
ويقول ابن رشد سبب اختلافهم هل تأليف المؤلفة خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ،أم أنه عام ولسائر الأم والأظهر أنه عام ،وهل يجوز ذلك للإمام في كل أحواله أو في حال دون حال أعني في حال الضعف في حال القوة وبذلك قال الإمام مالك لا حاجة إلى المؤلفة الآن لقوة الإسلام وهذا التفات منه إلى المصالح (36) .
خلاصة القول في المسألة :
إن ولي الأمر له أن يصرف الزكاة كلها في صنف واحد أو أكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو اقتضت المصلحة العامة ذلك ،والأفضل عند العلماء تعميم جميع الأصناف إن أمكن ،وإن حكم الأصناف الثمانية باق ما بقي الإسلام ،والصنف الذي لا يستوفي الشروط حول اسمه لأقرب مشابه له مثل سهم وفي الرقاب يمكن تحويله إلى وفي سبيل الله ويعطي للمجاهدين وخاصة الذين يقعون تحت سيطرة الكفار ،ويجاهدون لتحرير أنفسهم منهم ليتمكنوا من قامة شرع الله في حياتهم العامة الخاصة،ومثل سهم المؤلفة قلوبهم يمكن تحويله إلى أعمال الدعوة الإسلامية، أننا لو وجدنا حاكما أفريقيا غير مسلم يقف أمام حرية الدعوة فلو أعطيناه من سهم المؤلفة قلوبهم يفتح الطريق أمام الدعوة والدعاة ويمكن لهم من العمل في بلاده ويحميهم فإننا نفعل ذلك دون تردد .لأنه على الإسلام بخير .
نحن في مجلس الإفتاء الشرعي بالسودان أفتينا بجواز صرف الزكاة على بعض المصارف إن دعت الحاجة أو اقتضت المصلحة ذلك بالشروط والقواعد المقررة شرعا في رعاية المصالح وتقديم الضروري على ما هو في درجة الحاجة .
المسألة الرابعة :
المسألة تقول :إن معظم الأقطار الإسلامية يعيش فيها مواطنون من غير المسلمين ،ويتمتعون حقوق المواطنة مثل المسلمين سواء بسواء.
فكيف نعامل هؤلاء في مقابل معاملة المسلمين بأخذ الزكاة من أموالهم فهل يجوز لنا أن نفرض عليهم الزكاة أو مالا يعادل ما يخرجه المسلم زكاة ونطلق عليه أي اسم لأنهم لا يدفعون الجزية وصاروا يتحرجون ويستنكفون من إسم الجزية.
الإجابة : أولا: إجماع علماء الإسلام سلفا وخلفا على عدم وجوب الزكاة على غير المسلم يقطع النظر عن الخلاف في مسألة هل الكفار مخاطبون فرع الشريعة أم لا ؟ لأن الزكاة ركن من أركان الدين والذي لم يدخل في الإسلام لا يحق لنا أن نكرهه على الدين والزكاة جزء من حقيقة الإسلام والإكراه على الجزء إكراه على الكل ،ثم إن الزكاة عبادة شرط صحتها الإسلام فمن لم يسلم لا تصح منه الزكاة ول دفعها بنية الزكاة .
وقد جاء في بداية المجتهد لابن رشد " وأما أهل الذمة فإن الأكثر على أن الزكاة لا تجب على جميعهم إلا ما ورت طائفة من تضعيف الزكاة على نصارى بني تغلب .أعني أن يؤخذ منهم مثلما يؤخذ من المسلمين في كل شيء ،وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري وليس عن مالك في ذلك قول ،وإنما صار هؤلاء لهذا لأنه أثبت أنه فعل عمر بن الخطاب بهم كأنهم رأوا أن مثل هذا هو توقيف ولكن الأصول تعارضه (37)
قال تعالى :" وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنا هباء منثورا " وقال :" مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء هو الضلال البعيد " إبراهيم 18 .
وحديث معاذ عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الخ ". يدل على أن المطالبة بالفرائض في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام .
ومما تقدم نعلم أن الزكاة لا تجب على غير المسلم وفعل عمر مع نصارى بني تغلب يدل على أن ولي الأمر له أن يتعامل مع غير المسلمين بحسب المصلحة التي تعود على الإسلام والمسلمين ،ويدل على أن مال الجزية يمكن تقييده بأي اسم ،وأن غير المسلمين لو جاءوا طوعا واختيارا وطلبوا أن يدفعوا مالا يساوي الزكاة أو يزيد عليها فلولي الأمر أن يوافق على ذلك بحسب الظروف والمصلحة العامة.
وإذا كان غير المسلم لا تجيب عليه الزكاة فهل يجوز لنا أن نأخذ منه مقدار الزكاة ضريبة ؟
لا مانع من ذلك ما دنا نعاملهم بغير الجزية وبحكم أنهم مواطنون يتمتعون بكل ما يتمتع به المسلمون من رعاية حماية في ظل الدولة الإسلامية ،يقول الدكتور القرضاوي " والذي يترآى لي بعد البحث :إنه لا مانع من أخذ الزكاة بوصفها ضريبة من غير المسلمين من أهل الذمة إذا رأى ذلك ألو الأمر".
واستدل على ذلك بأمور:
منها أن مراد العلماء بقولهم لا تجب الزكاة على غير المسلم هو الوجوب الديني الذي يتعلق به المطالبة في الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة أما الإيجاب السياسي الذي يقرره ولي الأمر بناء على اعتبار المصلحة التي يراها أهل الشورى فلم يرد ما يمنعه .
ومنها أن أهل الذمة في ديار الإسلام كانوا يدفعون للدولة الإسلامية ضريبة مالية سماها القرآن " الجزية " مشاركة في النفقات العامة للدولة التي تقوم بحمايتهم والدفع عنهم وكفالة العيش لهم وتأمينهم ضد العجز والشيخوخة والفقر كالمسلمين كما رأينا ذلك غاليا في صنيع عمر مع الشيخ اليهودي الذي رآه يسأل على الأبواب ،والواقع الماثل الآن في البلاد الإسلامية أن أهل الكتاب لا يدفعون الجزية ويأنفون من هذا الآن فهل يمكن أن يدفعوا بدلا منها ضريبة على وفق مقادير الزكاة وإن لم تسمى باسمها ، ثم قال :" إن الذي رواه المؤرخون والمحدثون وفقهاء المال في الإسلام عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موقفه من نصارى بني تغلب يعطينا رخصة للنظر في هذا الأمر على ضوء الواقع والمصلحة العامة (38) .
وقد قال الإمام الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري بما جاء عن عمر بن الخطاب فيما فعله مع نصارى بن تغلب فهم يجوزون فرض مقدار يساوي الزكاة أو يزيد عليها في أموال غير المسلمين بدلا عن الحرية "(39) .
خلاصة القول في المسألة :أن الزكاة لا تجب في أموال غير المسلمين ،وإنه لا مانع من فرض مقدار من المال في أموال غير المسلمين يعادل ما يدفعه المسلم زكاة أو يزيد عليه ما داموا لا يرغبون في دفع الجزية وهذا المال يمكن أن يسمى بأي اسم يوافقون عليه ويوافق عليه ولي الأمر وهذا المال يشمل المواشي والزروع وأمال التجارة وكل مال تجب فيه على المسلم ،والسند في هذا الأمر ما ثبت من فعل عمر بن الخطاب مع نصارى بني تغلب ووافقه الصحابة وقال به الأئمة المجتهدون والقواعد الأصولية تؤكد ذلك.
وفي الختام نقول أن الشريعة الإسلامية بأحكامها النصية ومبادئها العامة وقواعدها الأصولية لا تعجز عن حل أي مشكلة تعترض المسلمين ماداموا مسلمين حقا وصدقا ،لأن الشريعة الإسلامية من خصائصها التي تميزت بها عن التشريعات الأخرى سماوية أو وضعية أنها جمعت في أحكامها بين الثبات والمرونة لتكون صالحة لكل زمان ومكان ولا تتأخر عن حياة الإنسان.
ما قلته في هذا البحث إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني.
وفقنا الله لما فيه مرضاه .
أ.د / يوسف حامد العالم باريس 7/9/88
توفي رحمه الله بتاريخ 9/9/1988 في باريس
الثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:42 pm من طرف أم عزة
» احلى ابتسامه
الثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:36 pm من طرف أم عزة
» احلى ابتسامه
الثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:33 pm من طرف أم عزة
» مازلت اصمت
الثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:26 pm من طرف أم عزة
» هدية الصباح
الثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:20 pm من طرف أم عزة
» السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الثلاثاء أكتوبر 11, 2016 12:01 pm من طرف أم عزة
» تحدث باللغه الانجليزيه بسهوله...
الإثنين نوفمبر 09, 2015 4:53 pm من طرف Abdurahimborgo
» إساءه في حق رابطة طلاب الصليحاب بجامعة النيلين من قبل الاتحاد
الثلاثاء يوليو 14, 2015 4:03 pm من طرف Abdurahimborgo
» المحافظه على تراث الصليحاب من الضياع
الأربعاء فبراير 25, 2015 11:27 pm من طرف الصادق مجمود